التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 01:11 م , بتوقيت القاهرة

العباسية.. ما بعد التصعيد والفض

استكمالا لما بدأته فى المقالين السابقين بما حدث في نهايات أبريل وبداية  مايو 2012، من تصعيد سياسي وميليشياتي فيما عرف بأحداث العباسية، وما أعتبره بشكل شخصي ديْنًا في عنقي نحو الآلاف من الجنود المجهولين، ممن كان لهم الدور الأكبر في أن نبقى ننعم بحياة مستقرة إلى الآن، في وطن محاط ببلدان ملتهبة من كافة الاتجاهات، أسرد ملامح ما جرى في هذه السيرة الملتبسة، فقط كمحاولة للتذكير بالحدث، حتى ينسب الفضل إلى أفراد ضحوا بالكثير، ونالوا شكرا لفظيا لا يتعدى أطراف الألسنة، وفاتهم لائق التقدير والعرفان بما قدموه.


في الجمعة التالية  لفض اعتصام العباسية 11 مايو 2012 فشلت الدعوة لتظاهرات كان قد دعا إليها أنصار حازم صلاح أبو إسماعيل في التحرير، متوعدا بها السلطة العسكرية، في مشهد تكرر مرات، كان أبرزها فى نوفمبر 2011، حينما وجه أمرًا للمشير طنطاوي ولرئيس الأركان سامى عنان بالرحيل الفوري، ومنح باقي المجلس العسكري مهلة 24 ساعة لتنفيذ ما وصفه بالأمر لتسليم السلطة، من داخل استوديوهات مدينة الإنتاج الإعلامي، خلال لقاء مع الإعلامي "عمرو الليثي" مساء 21 نوفمبر 2011 أثناء أحداث محمد محمود.


بنجاح قوات الجيش في فض اعتصام العباسية، عاد الأمل للكتلة الرافضة للتصعيد الثوري وسيطرة الائتلافات، في رجاح موقفها، وهي الكتلة الكبرى التي أطلق عليها "الكنبة" انتظارا لموقف حاسم عبر صناديق اقتراع أو عبر تجمهر ميداني حاشد.


وفي 11 مايو 2012 خرجت مظاهرات مؤيدة لقوات الجيش والشرطة، في عدة محافظات ولدعم المجلس العسكري، لكنّها كانت بأعداد بسيطة لم ترق أن توصف بالحشود الضخمة، أو أن تؤدي دورا مؤثرا في الحراك السياسي، وكان هذا مطمئنا بما يكفي للتيارات الثورية والدينية، بأن من أراد التأثير السياسي، فعليه بالشارع، وأصحاب الكنبة ليسوا بأصحاب مراس في حشد الميادين والبقاء فيها لليالٍ, مثلما يفعل محترفو الميادين، فلا خوف منهم إذا.


كانت نبرة الكتلة الكبرى لا تزال منخفضة، وتتفادى الغالبية إبداء رأيها علنا، إذعانا لتيار ثوري وإعلامي، أدى بنا إلى حكم إرهابي بامتياز، مازلنا نعاني ويلات الخلاص من دمامته إلى الآن.


دعا بعض الفنانين إلى وقفة لتأييد القوات المسلحة بمنطقة القبة، منهم "شذى" و"عمرو مصطفى"، ولم تخل المظاهرة على بساطة أعداد ونوعية روادها المختلفة تمامًا عن معتصمي الميادين، من التنغيص ومحاولات الاعتداء على من حضرها، وإطلاق الخرطوش عليهم، رغبة في منع نمو أي تيار قد يفتح الباب لدعم الجيش أو الشرطة، بما قد يغير المسار الممهد نحو التغيير الثوري المأمول، القائم على شيطنة السلطة.


وعلى بساطة تجمعات التأييد هذه، إلا أنها قد قوبلت بحذر وتعنت إعلامي، يتراوح بين التجاهل أو النقل الملتبس للخبر، فذهبت بعض المواقع الإخبارية لتشويه من حضروا هذه المساندة البسيطة، ونقل الشائعات بخصوصهم، كما روجت لأخبار مفادها رفض أهالي القبة والحاضرين للمطربة "شذى"، والتي قد ذهبت قبلها بأيام لزيارة الجنود المصابين بمستشفى كوبري القبة العسكرى، مما جعل اسمها نزيلا على القوائم السوداء.. إضافة إلى تناول صورها مع مصابي الجيش، بشبكات التواصل الاجتماعي تحت عناوين ساخرة وناقدة، مما جعلها تعلق متعجبة: أنها لم تلتقط صورا مع جنود إسرائيليين، كي يتم مهاجمتها بهذه الطريقة!


نشر موقع "مصراوى" في خبر له، أنها قد أثارت غضب المتظاهرين بعبارتها "أننا سنقطع يد أي كلب يقوم بالاعتداء على جنود الجيش".. وهو ما ظهر عدم صحته في فيديو مصور، يتناول تفاعل الجمهور إيجابيا مع كلماتها والهتاف لها.


أما بوابة "الوفد"، فقد تناقلت خبرا يوم الجمعة 11 مايو عن إحدى هذه الوقفات الصغيرة بالدقهلية، وصفت فيه المشاركين بـ "أنصار العسكري" الذين يوزعون الأزهار على أفراد الجيش, وهو توصيف ظل شائعاُ لفترة، ثم تبعه توصيف "مؤيدي الجيش" الذي ظل يُستخدم حتى زمن قريب!


ولسبب ما أتبعته "الوفد" بخبر آخر بعد عشرين دقيقة تقريبا يتناول ذات الحدث، بعنوان مغاير "فلول الوطني يعودون في جمعة المنصورة"، وصفت فيه المشاركين بأنهم من منطقة كفر البدما، مقر محمد بسيوني ووحيد فودة نائبي الحزب الوطني المنحل، والأخير هو شقيق ممدوح فودة الذي ذكره "محمد مرسي" في خطاب 26 يونيو الشهير بـ "فودة بتاع المنصورة" ضمن أعداء نظامه، مع الشاب الذي يتقاضى عشرين جنيها مقابل فصل سكينة الكهرباء!


حقيقة لم يعتمد "مرسي" بأطروحاته في غالبها، إلا على ما سبق وتم ترويجه وترسيخه في الإعلام المتبني لنمط ثوري تصعيدي باستمرار، ثم سخر منه الإعلام فيما بعد، بعدما توطد إجرام حكمه وحاصر رجاله مدينة الإنتاج الإعلامي.


تفاصيل صغيرة ربما.. لكنها قد توضح بأي شكل كانت تسير الأمور، وكيف ساهمت سهرات الفضائيات في استكمال طريق تمكين الإرهابيين من حكم مصر.


إصابات جنود القوات المسلحة كانت متباينة، وكان أن توجهت منفردا لزيارتهم فى يوم الاثنين 7 مايو 2012 بمستشفى كوبري القبة العسكري، فوجدت الجنود أصحاب الإصابات البسيطة قد سمح لهم بالخروج، وبقي من كانت إصابته بالغة، وتشرّفت بمقابلة رقيب صاعقة متطوع يُدعى "أحمد المنعم الجمل"، وهو ابن لإحدى بلدات الدلتا، توجب عليّ أن أنقل بعض ملامح حواري معه، أو بالأدق ما نقله لي عن أحداث مسجد النور، وملحوظاته ورؤيته الشخصية من قلب أحداث عديدة مرت بها مصر، كان يمثل فيها جزءًا من الحدث، وآخرها وجوده كأحد الذين كُلفوا بتطهير مسجد النور من الاعتصام المسلح.. وهو ما أسرده في المقال القادم.