أنا والحمار وساعات السفر
إمبارح كان يوما غير موفق بالنسبة لي في السواقة.. أثناء نزولي واحد خبطني من الجنب، وفي طريق العودة في المساء واحد خبطني من الجنب التاني..!
بهدوء أعصاب وثبات انفعالي واجهت المواقف، رغم أنه في المرتين كان حليفي هو المخطئ، لكني كنت أبادر بالاعتذار ولين الكلام وعرض أي مقابل للتعويض، وفي الغالب كان ذلك كفيلا بنزع فتيل التوتر واستخراج أفضل ما في الإنسان من لطف وتسامح. وينتهي الموقف في بضع دقائق وكلانا يصافح الاخر. والقلب مليء بالأسى.
المرة الأولى كنا فوق الكوبري وهناك من يحاول المرور مسرعا من أقصى يميني مخالفا كافة قواعد المرور، ما اضطرني إلى مفاداته شمالا، بينما القادم من شمالي مُصر على المرور أيضا فاحتك بي من الجانب الأيسر.
ساعتها فكرت هل مشاكلنا الحالية في مصر هي مشاكل تراثية وفقهية؛ صحيح البخاري / حد الردة / الحجاب / أهل الذمة / الجزية / الجهاد .. أم أنها مشاكل إدارية وسياسية وسلوكية.
لا يوجد رجل مرور يطبق القانون أو يضبط الطرقات، ولو تواجد فهو يمثل إعاقة إضافية فغالبا يغلق شارع كبير رئيسي ومتكدس ويتفحص الرخص ببرود ويحاول إيجاد أي سبب تافه أو جانبي حتى يحملك بغرامة أو يسحب رخصك. ومعظم من يوقفهم يكونون ناس جادة مسالمة ذاهبة لعملها.
بينما لا يتعرض للمشاكل الحقيقية من تنظيم الطرق وملاحقة المجرمين وإيقاف المعتوهين الذين يقودون بطيش وحماقة ويمثلون خطرا حقيقا على الأمن العام.
كل يوم في الذهاب يقف حمار له عربة كارو تعبئ القمامة وتغلق حارة كاملة في الطريق الرئيسي وتظل مكانها طيلة اليوم وأوقات الذروة. وقائد الكارو يتعامل بتناحة وبلطجة غير عادية. وتسعين في المئة من الوقت يقوم بتدخين البانجو أو معاكسة الفتيات. بينما المسؤولية الحقيقية لجمع القمامة من الممكن القيام بها في السادسة صباحا أو الثانية عشرة مساء.
وكشك المرور على بعد خطوات منه.
وفي المساء أثناء عودتي كنا متوقفين في إشارة كوبري الجلاء، وبعد أن فتحت انطلقت السيارات مسرعة وبعد مائة متر فوجئت بعربة كارو أخرى يقودها مجنون ويصر على قطع الطريق بعرض أربع حرارات ولا يأبه لاندفاع السيارات. وكان من نصيبي. وضعت قدمي على الفرامل بغيظ وتمسكت بعجلة القيادة وانطلق جسدي للأمام، فردّني حزام الأمان. وسمعت ارتطام بمؤخرة سيارتي وهناك من يشتمني.
فتحت الزجاج وأطفأت الست فيروز التي تقول بإلحاح "إيه في أمل" وشاورت للحمارين (القائد والعربة) فصمت الرجل وقدر الموقف.
مرة ثانية هل أنت سيدي المواطن تعاني في يومك وتشعر بالخطر والغيظ بسبب الإمام البخاري أو أحكام أهل الذمة في التراث الإسلامي أو مفهوم الجهاد أو التباس قضية حد الردة.. أم أنك تعاني من نطاعة الدولة وتناحة المواطنين وانعدام المسئولية وفقدان الذوق العام..!
منذ شهور كنت على موعد مع مشاوير في المرور والشهر العقاري، لإجراءت النقل والترخيص، فكان الموظف يرسلني من بلد إلى بلد سفرا بعيدا في المفاوز والصحاري على ظهور الجمال كي أحضر له كلمتين في ورقة بيضاء، يمكن أن يعرفها من صديقه الموظف الثاني بالتليفون أو رسالة موبايل. أو من خلال إرسال إيميل ويصله الرد في دقائق.
وكأن أوقات الناس وصحتهم وسلامتهم النفسية بلا مقابل. وكأن لترات البنزين التي تضيع هدرا لمشاوير فارغة بلا معنى لا تدفع الدولة دعما لها. وكأن ازدحام الطرق التي تكتظ بناس دائخة من طلبات الموظفين لا قيمة لها.
الموظفون أخطر على مصر من داعش. ونحن نحتاج إلى ثورة إدارية وقانونية وسلوكية قبل حاجتنا إلى ثورة دينية أو معرفية، ومن يزعم غير ذلك إنما يقوم بحالة إلهاء أو تعميه للهروب من المسؤولية الحقيقية. مثلما كان الأمراء قديما يستخدمون الشعراء لصنع معارك فيما بينهم من الهجاء والذم وتتوالي الردود والمبارزات حتى ينشغل الناس عن سوءات الحكم.
فهل يصير الفقه الإسلامي وادعاء التنوير الزائف هو وسيلة الإلهاء الحالية..!