علي بن أبي طالب.. الرجل الذي هلك محبه ومبغضه
يحتفل محبو آل البيت، خاصة الشيعة والصوفية، في 13 رجب من كل عام بذكرى ميلاد الإمام علي بن أبي طالب، رابع خلفاء المسلمين، وابن عم النبي، وزوج ابنته فاطمة الزهراء، ووالد الإمامين الحسن والحسين.
"يَهْلَكُ فِيَّ رجلان مُفْرِطٌ في حُبِّي ومُفْرِطٌ في بُغْضِي"، كانت هذه كلمة الإمام علي عن نفسه وحب الناس وبغضهم له، فرأى أن المغالين في حبه سيهلكون على قدر غلوهم، والكارهين له هالكين على قدر كرههم، وهو الراوي حديث النبي في صحيح مسلم "وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ أَنْ لا يُحِبَّكَ إِلا مُؤْمِنٌ ، وَلا يُبْغِضَكَ إِلا مُنَافِقٌ".
إلا أن الأمة الإسلامية بطوائفها المختلفة اختلفت حول الإمام علي، حبه البعض وغالوا في حبه حتى جعلوه إلها، وكرهه البعض حتى حملهم كرهه على التشكيك في فضائله، والهجوم عليه، وسنعرض آراء الطوائف الإسلامية المختلفة في علي حب وكراهية.
الشافعية: إمام
الإمام الشافعي- من بين أئمة المذاهب الفقهية الأربعة- كان يعتز باعتبار علي إماما له ولأتباع مذهبه، وفي كثير من الأحيان كان يؤكد على ذلك، ويقول "إذا كان مولى القوم منهم فإنني*** رضيت بهم لازال في ضلهم ضلي... رضيت عليا لي إماما ونسله*** وأنت من الباقين في أوسع الحل"، ولما اتهم بأنه رافضي لحبه لعلي، قال "إن كان رفضًا حـب آل محمد **** فليشهد الثقلان أني رافضي"، وهي الأبيات التي يصدع بها أتباع مذهبه والمتصوفة دائما.
الشيعة: كمال الدين
يرى الشيعة الإمامية أن الإمام علي هو أول الأئمة الاثنا عشر، ويرون أن إمامته فرض على المسلمين، ويستدلون بما حدث في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة عام العاشر هجريا بعد أن أتم النبي محمد مناسك حجة الوداع، وخرج المسلمون عائدين لديارهم، توقف عند مكان يقال له غدير خم وخطب في المسلمين خطبة، قال فيها "من كنت مولاه فعلي مولاه"، وتقول كتب التفاسير الشيعية إن في هذا اليوم نزلت الآية ?الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاَمَ دِيناً? ويفسرونها بأن إتمام الدين هو الإيمان بالإمام والولي علي بن أبي طالب من بعد الرسول.
السبئية: هو الله
ذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق: لما بويع علي، رضي الله عنه، خطب الناس، فقام إليه عبد اله بن سبأ، فقال له أنت دابة الأرض، فقال له: اتق الله، فقال له: أنت الملك، فقال: اتق الله، فقال له: أنت خلقت الخلق وبسطت الرزق، فأمر بقتله فاجتمعت الرافضة، فقالت: دعه وانفِه إلى ساباط المدائن فإنك إن قتلته بالمدينة –يعني الكوفة– خرج أصحابه علينا وشيعته، فنفاه إلى ساباط المدائن، فثم القرامطة والرافضة، أي كانت بعد ذلك وبجهود ابن سبأ مركزا يتجمعون فيه، قال: أي جابر– ثم قامت إليه طائفة وهم السبئية وكانوا أحد عشر رجلا، قال: ارجعوا فإني علي بن أبي طالب أبي مشهور وأمي مشهورة، وأنا ابن عم محمد صلى الله عليه وسلم، فقالوا: لا نرجع دع داعيك، فأحرقهم في النار وقبورهم في صحراء أحد عشر مشهورة، فقال: من بقي ممن لم يكشف رأسه منهم علنا أنه إله، وورد حديث حرق علي لهم فى الصحاح.
النصيرية: إله
أورد الشهرستاني في كتابه الملل والنحل، أن النصيرية "إنما نشأت شبهاتهم في الحلول والتناسخ، من مذاهب اليهود والنصاري، فاليهود شبهوا الخالق بالخلق، والنصارى شبهت الخلق بالخالق، فسرَت هذه الشبهات في أذهان الغلاة، حتى حكمت بأحكام الإلهية في بعض الأئمة".
ويقول مصطفى الشكعة في إسلام بلا مذاهب إن العقيدة الأساسية عند النصيرية تتمثل في تأليه علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، فيزعمون أنه إله أو حلّت فيه الألوهية، فعلي في نظرهم "إله في الباطن، وإمام في الظاهر"، لم يلد ولم يولد، ولم يمت ولا يأكل ولا يشرب، اتخذ محمدا "ناطقا" لذا فهو متصل به ليلا منفصل عنه نهارا.
الغُرابية: نبي
أما الطائفة الغرابية فتؤمن بأن النبي محمد كان يشبه الإمام عليّ مثل شبه الغراب بالغراب، فلما بعث الله جبريل بالوحي إلى عليّ أخطأ وأنزل الوحي على سيدنا محمد، ويلعنون جبريل لما يعتبرونه خطأه في تبليغ الرسالة، كما جاء في أنيس الوحيد في شرح التوحيد للجزائري.
الخوارج: كافر
بعد أن ضغط بعض أنصار علي من أجل القبول بالتحكيم بينه وبينه معاوية، خرج عليه الخوارج واعتبروه كافرا لقبوله التحكيم، فقد جاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، أن رجلا من الخوارج وقف أمام علي في المسجد، وقال "قاتله الله كافرا ما أفقهه"، فحاول أنصاره علي أن يقتلوه فقال "رويدا، إنما هو سب بسب أو عفو عن ذنب".
الإباضية: نتبرأ منه
يتضح وقف غلاة الإباضية من الإمام علي، والصحابة الكرام من خلال ما جاء في كتاب (كشف الغمة) تحت عنوان فصل من كتاب (الكفاية) قوله: فإن قال ما تقولون في علي بن أبي طالب، قلنا له: إن عليا مع المسلمين في منزلة البراءة، وذكر أسبابا توجب البراءة منه في زعم مؤلف هذا الكتاب، منها حربه لأهل النهروان وهو تحامل يشهد بخارجيته المذمومة، فالإباضية يرون خطأ علي في قبوله للتحكيم، والغلاة منهم يرون أنه رضي حكم البشر وترك حكم الله، الذي يدعو إلى قتال الفئة الباغية.
السلفية: عاجز ومخذول
ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة أن ابن تيمية- إمام السلفيين- خطّأ الإمام علي في 17 موضعًا، خالف فيها نص الكتاب، وأن العلماء نسبوا ابن تيمية إلى النفاق لقوله في عليّ، "إنّه كان مخذولا، وإنّه قاتلَ للرئاسة لا للديانة"، وقد ذكر ابن تيمية ذلك في كتاب منهاج السنة، فقال ما نصه :"وليس علينا أن نبايع عاجزا عن العدل علينا ولا تاركا له، فأئمة السنة يسلمون أنّه ما كان القتال مأمورًا به ولا واجبًا ولا مستحبًّا".
المعتزلة: نقتفي أثره
أما المعتزلة، فقد عبر عن رأيهم ابن أبي الحديد المعتزلي في مقدمة شرح لنهج البلاغة، بقوله "أما فضائله، فإنها قد بلغت من العظم والجلالة والانتشار والاشتهار مبلغا يسمح معه التعرض لذكرها والتصدي لتفصيلها، وما أقول في رجل أقرّ له أعداؤه وخصومه بالفضل، ولم يمكنهم جحد مناقبه ولا كتمان فضائله، وكان كالمسك كلما ستر انتشر عرفه، وكلما كتم تضوع نشره، وكالشمس لا تستر بالراح، وكضوء النهار إن حجبت عنه عين واحدة أدركته عيون كثيرة، وما أقول في رجل تعزى إليه كل فضيلة، وتنتهي إليه كل فرقة، وتتجاذبه كل طائفة، فهو رئيس الفضائل وينبوعها وأبو عذرها، وسابق مضمارها ومجلّي حلبتها، كل من بزغ فيها بعده فمنه أخذ وله اقتفى وعلى مثاله احتذى".