"أم الرشراش".. مدينة مصرية تحتلها إسرائيل
"أم الرشراش".. يبدو الاسم غير مألوف للبعض، ولكنه معروف للذين عاصروا وتابعوا ملابسات تلك القضية التي لازالت عالقة حتى هذه الأيام، حيث تحتفل مصر في هذا التوقيت بالذكرى الـ33 لاسترداد سيناء، بعد أن كانت محتلة من الجانب الإسرائيلي.
نجحت الدبلوماسية المصرية في استرداد أراضي سيناء التي ظلت تحت سيطرة إسرائيل بعد حرب 6 أكتوبر 1973، حيث اجتهد الدبلوماسيون المصريون لاسترجاع الجزء المتبقي من سيناء متمثلا في شرم الشيخ ثم طابا، إلا أنه في زخم الأحداث والضغوطات والمعارك السياسية، وتكالب بعض الدول المؤيدة لإسرائيل، لم تستطع مصر حتى هذه اللحظة استرداد جزء أصيل وتاريخي من حدودها الجغرافية، وهي مدينة "أم الرشراش"، المغتصبة من إسرائيل، والتي أسمتها بعد ذلك "إيلات".
"إيلات" تلك المدينة التي يعرفها كل المصريين بهذا المسمى، هي في الحقيقة أرض مصرية، وفقا لعوامل واعتبارات كثيرة، ولكنها الآن تحت سطوة إسرائيل.
وتعود تسمية قرية "أم الرشراش" نسبة إلى إحدى القبائل العربية التي كانت تقيم بها، كما تشير دراسات مصرية إلى أن القرية كانت تدعى في الماضي "قرية الحجاج"، حيث كان الحجاج المصريون المتجهون إلى الجزيرة العربية يستريحون فيها.
إيلات الإسرائيلية
قرية " أم الرشراش " أو ميناء "إيلات" حاليا، مدينة إسرائيلية على ساحل خليج العقبة، تقع في أقصى جنوب فلسطين، بين مدينتي العقبة الأردنية من الشرق، وبلدة طابا المصرية من الغرب.
وتعتبر "إيلات" منعزلة عن باقي المدن الإسرائيلية، إذ يصل إليها شارع رئيسي واحد فقط، يمر في وادي عربة، وحيث إنه لم يتم رسم الحدود الإسرائيلية المصرية بين إيلات وطابا، إلا في عام 1988، ولعدم وجود رسم للمكان بدقة، فمنذ رسمه النهائي أصبح يوجد معبر حدودي يخدم السياح العابرين من شبه جزيرة سيناء إلى إيلات، ثم تم فتح معبر مماثل بين إسرائيل والأردن شمال مدينتي إيلات والعقبة.
روح إسرائيل
"أم الرشراش" هي شريان الحياة لإسرائيل، ولولا استيلائها عليها، ما كان لها وجود على البحر الأحمر، ذلك الموقع الاستراتيجي الذي وفر لها فرصة للنفاذ إلى شرق إفريقيا، ما أدى إلى وجود تحالف مع إريتريا، وتغلغلا في إثيوبيا وكينيا، فضلا عن خاصية المرور المباشر إلى الهند، بما جعلها دولة بحرية تمد نفوذها إلى المحيط الهادي مرورا من البحر الأحمر.
ذلك الميناء يوفر لإسرائيل مرور نحو 40% من صادراتها ووارداتها، ولولا مينا إيلات أو "أم الرشراش"، ما كان هناك فاصل جغرافي بين مصر والأردن والسعودية، ولا بين الدول العربية الإسلامية في إفريقيا ونظيراتها في القارة الآسيوية، ولظل البحر الأحمر نقطة قوة عربية آمنة مؤمنة داعمة للأمن القومي العربي بعيدا عن الاختراق الإسرائيلي.
الاستيلاء على أم الرشراش
كانت أم الرشراش تحت الحكم المصري، حتى نهاية القرن الـ19، وحتى أثناء حكم الطولونيين، وفي عام 1906، وبسبب وجود مصر تحت الاحتلال البريطاني، قامت القوات العثمانية باحتلال أم الرشراش، ووقعت أزمة عالمية وقتها، قامت على إثرها بريطانيا بالضغط على اسطنبول، وانسحبت القوات العثمانية، وعادت أم الرشراش لمصر بفرمان عثماني.
ومع نهاية حرب فلسطين، كان يقيم بها حوالي 350 فردا من جنود وضباط الشرطة المصرية، حتى يوم 10 مارس 1949، عندما هاجمتها إحدى وحدات القوات العسكرية الإسرائيلية، مستغلة في ذلك انسحاب الحامية الأردنية، والتي كانت تحت إمرة قائد إنجليزي، وقتلت كل من فيها، واحتلتها بقيادة رئيس وزراء إسرائيل في هذا الوقت، إسحاق رابين.
ولأن القوات المصرية كانت ملتزمة بعدم إطلاق النار، بحسب اتفاقية الهدنة بين مصر وإسرائيل، لإنهاء حرب 1948، فلم تطلق الشرطة المصرية طلقة واحدة، أما اليهود فقد كسروا الاتفاقية، وقاموا بمذبحة قُتل فيها جميع أفراد الشرطة، واحتلوا أم الرشراش، وحولوها إلى ميناء إيلات 1952.
وكانت هناك تغريده للناطق باسم الجيش الإسرائيلي، الرائد أفيخاي أدرعي، تؤكد صحة هذه الرواية.
رؤساء مصر وأم الرشراش
تمنى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر استردادها، ورفض استبدالها بكوبري يمر فوق أم الرشراش، ويربط بين المشرق والمغرب العربي، وبالتالي يسقط حق مصر في المطالبة بعودتها، قائلا: "كيف نستبدل أرضنا بكوبري ممكن أن تنسفه إسرائيل في أي وقت ولأي سبب".
الكوبري كان اقتراحا من الولايات المتحدة الأمريكية، في عهد كيندي، والذي كانت تربطه علاقة طيبة بعبدالناصر، هذا التصريح أيضا يثبت زيف وتضليل وثائق بريطانية، أُفرج عنها عام 2000، تؤكد تنازل جمال عبدالناصر عن هذه القرية لإسرائيل.
وفي عهد السادات، ورغم تمنيه استرداد أم الرشراش، إلا أن استرداد طابا كان له الأولوية أمامه، وأعطى طابا كل اهتمامه باعتبارها أهم وأكبر، ومع ذلك أدرجت أم الرشراش ضمن ملف التحكيم الدولي، الذي رفعته مصر بشأن طابا.
أما حسني مبارك لم يتطرق إلى قضية أم الرشراش كثيرا في عهده، نظرا لطبيعة العلاقات والمصالح مع أمريكا، التي كانت تحاول وأد أي محاولات لفتح هذا الملف الشائك، عن طريق سفارتها في القاهرة، ومع ذلك ذكرها في عدة مناسبات وعلى استحياء، عندما أعلن، وفقا لما ورد بجريدة العربي، في عام 1996، أن أم الرشراش مصرية، كما جاء على لسانه أيضا في برنامج "صباح الخير يا مصر"، بمناسبة أعياد تحرير سيناء عام 1997، أن هذه القرية مصرية.