فاروق الباز.. مصري تمرد على عقلية "مصنع البسكويت"
حكاية واحدة تسمعها من "فاروق الباز" قادرة على تغيير تفكيرك تماما، شخصيته البسيطة الهادئة قادرة على أن تملأك خجلا من نفسك التي تقصر في اكتشاف قدراتها، والنظريات العلمية تتدفق منه في نفس سهولة ترحيبه بك.
وكما "الجيولوجيا" التي تخصص بها، يمكنه أن يعلمك ببساطة اكتشاف طبقات نفسك ومعادنها النفيسة، وهو حكّاء بارع حول تفاصيل الشخصية المصرية، لم تنجح أضواء وكالة "ناسا" أن تنسيه إياها.
من تلك الحكايا، ما ذكره "الباز" في لقاء تليفزيوني قديم عن تعوده شراء أحد منتجات مصانع البسكويت المصرية في الستينيات، ليفاجأ بعد 20 عاما أو أكثر قضاها في الخارج، عندما جرب شراء منتجه مرة أخرى في أثناء إجازة له في مصر، باستمرار نفس المصنع في إنتاج نفس المنتج وبنفس الشكل والعبوة دون تغيير.
هذه هي العقلية وطريقة التفكير التي يرى "الباز" ضرورة التمرد عليها، فلا معنى للسكون في عصر صعدنا فيه إلى القمر والمريخ، ولا أمل في استقرار يجعل أيامنا شبيهة ببعضها، وهو يأمل أن تحمل الأيام المقبلة كثيرا من التغيير والاهتمام بالتعليم والبحث العلمي في مصر، التي يفخر بكونه عضوا في المجلس الاستشاري لعلمائها.
مولده
وُلد فاروق الباز، كما تحكي سيرته الذاتية على موقعه الإلكتروني، في الزقازيق بمحافظة الشرقية، في 2 يناير 1938. في عمر الـ 20، حصل على بكالوريوس الكيمياء والجيولوجيا من جامعة عين شمس، ثم ماجستير الجيولوجيا من كلية ميسوري للمناجم والتعدين (الآن جامعة ميسوري للعلوم والتكنولوجيا)، في عام 1961، ليتبعها حصوله على درجة الدكتوراه في الجيولوجيا من نفس الجامعة، في عام 1964، بعد عامين متواصلين من البحث والدراسة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT.
في عام 1989، حصل "الباز" على الدكتوراه الفخرية في العلوم من كلية نيو إنجلاند الأمريكية، ثم درجة الأستاذية من جامعة ميسوري للعلوم والتكنولوجيا، في عام 2002، والدكتوراه الفخرية من جامعة المنصورة في مصر، في 2003، ودكتوراه شهادة القانون من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، والدكتوراه الفخرية للهندسة من جامعة ميسوري للعلوم والتكنولوجيا، في عام 2004.
وعمل الدكتور "فاروق الباز" في تدريس علم الجيولوجيا "علم خصائص وطبقات الأرض" في جامعة أسيوط، بين عامي 1958 و1960، ثم جامعة هايدلبرج الألمانية، بين عامي 1964 و1965، ليلتحق بعدها بالعمل في إحدى شركات النفط الأمريكية، في عام 1966، ليشارك في التنقيب عن النفط في حقل المرجان في خليج السويس، أول حقول النفط البحرية هناك.
من التنقيب عن البترول إلى وكالة "ناسا"
لم تطل فترة عمل "فاروق الباز" في شركة التنقيب عن النفط، فقد تم قبوله للعمل في وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، ليشارك بين عامي 1967 و1972، في برنامج "أبوللو" الفضائي، كمشرف على قسم التخطيط للعلوم القمرية في شركة "بلكوم" المتخصصة في إجراء تحليلات النظم لوكالة "ناسا"، ثم سكرتيرا للجنة اختيار مواقع هبوط بعثات "أبوللو" على سطح القمر، ورئيس لباحثي الملاحظات البصرية والتصوير الفوتوغرافي، ثم رئيس لمجموعة تدريب رواد الفضاء، وهي قدرات علمية وتعليمية وتدريبية أشاد بها رواد فضاء بعثات "أبوللو" حينها، وقد كانت قدرة "الباز" على تبسيط المصطلحات العلمية سببا في اختياره ضمن فريق التحدث إلى الصحافة ووسائل الإعلام عن نتائج البعثات القمرية.
"ناسا" وما بعدها
بعد انتهاء برنامج أبوللو، في عام 1972، انضم د. الباز إلى مؤسسة سميثسونيان في واشنطن العاصمة من أجل إنشاء وإدارة مركز دراسات الأرض والكواكب في المتحف الوطني للجو والفضاء، كما تم انتخابه عضوا في فريق تسمية المعالم القمرية التابع للاتحاد الفلكي الدولي، كما اختارته وكالة "ناسا"، في عام 1973، كباحث رئيسي في رصد الأرض وتصويرها خلال مشروع "أبوللو-سيوز" التجريبي، والذي ركز على تصوير ودراسة البيئات الصحراوية والقاحلة في شمال إفريقيا وشبه الجزيرة العربية وغيرها.
وقد كان "الباز" أول من نسق زيارة لعلماء أمريكيين إلى صحاري شمال غرب الصين، بعد عودة العلاقات الأمريكية-الصينية إلى طبيعتها في أواخر السبعينيات، وقد أدت أبحاثه في أصل وتطور الصحاري إلى انتخابه زميلا للجمعية الأمريكية لتقدم العلوم AAAS، منذ عام 1982، وحتى التحاقه بجامعة بوسطن، في عام 1986، كما كان نائبا لرئيس شركة "أتيك" للأنظمة البصرية في ليكسينجتون، التي تولت الإشراف على تحسين عمل كاميرات السفن الفضائية.
أنهار صحراوية بتوقيع "الباز"
كانت لبحوث د.الباز في جامعة بوسطن، خلال الأعوام الـ 20 الأخيرة، الفضل في توجيه الانتباه إلى حقيقة التغيرات المناخية الكبرى في تشكيل الصحراء، والكشف عن العديد من مصادر المياه الجوفية والأنهار العذبة المدفونة أسفل الرمال، في مصر وعمان والإمارات والسودان، وقد شجعت إسهاماته العلمية على انتخابه زميلا للجمعية الجيولوجية الأمريكية، التي بدأت في تقديم جائزة باسمه "جائزة فاروق الباز لبحوث الصحراء"، منذ عام 1999، كما قدمت منحة بحثية باسم "جائزة فاروق الباز البحثية للطلاب"، منذ 2007، تخليدا له وتشجيعا للأبحاث الصحراوية.
الدكتور فاروق الباز حاصل على الجنسية الأمريكية، ومتزوج، ولديه 4 بنات، هن منيرة وثريا وكريمة وفيروز، و7 أحفاد، أكبرهم ياسمين وعليا وسارة وجاك.