التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 12:38 م , بتوقيت القاهرة

قال المؤذن الله أكبر

اعتدت أن أفرح حين يصدح المؤذن"الله أكبر"، أستمع إلى صوته الرنان وأنا أتعجب كيف له أن يمتلك هذا الصوت! نشأت على ذلك منذ صغري، وسافرت من مصر ولا تزال أصوات المؤذنين في أذني، راسخةً في مكانٍ شديد التميز في الذاكرة، ويدق قلبي كلما استمعت إلى الأذان في أفلام السينما، تداعب ذاكرتي فتحملني إلى مصر في اللحظة ذاتها.


لا أزل أتمتع بهذا الإحساس حتى الآن، وبرغم أننى أعيش في مصر؛ إلا أن أصوات المؤذنين في أفلام السينما، التي عادةً ما تأتي في إطار دراميّ يدور في القاهرة القديمة، أو أطرافها التي لا تزال (على الأقل في السينما) تتمتع بأصوات مؤذنين حلوة، هذه الأصوات تخطف قلبي بالمعنى الحرفي للكلمة، ولا يتغير هذا الشعور أبداً والحمدلله، بل أني أكاد أوقن أن أصواتهم هي نعمة خاصة اختصهم بها المولى تعالى.


منذ أيام قررت وزارة الأوقاف منع استخدام مكبرات الصوت في المساجد، في غير الأذان وشعائر صلاة الجمعة، وهو قرار يبدو منطقيًا بطبيعة الحال، حتى أن الوزارة أعلنت عقوبات لمخالفة القرار، وأضافت له "أنها ستطبق العقوبات ذاتها، على من يترك مفاتيح المسجد أو أي من ملحقاته مع غير الموظف المختص، مع التأكيد على أن المسئولية تضامنية بين العامل المختص وإمام المسجد، ومفتش المنطقة ومدير الإدارة، وتحمل المديرية مسئولية تنفيذ ذلك بدقة" ، لم تكتف الوزارة بهذا بل طلبت سرعة موافاتها بأسماء السؤولين عن مكبرات الصوت فى المساجد .


المفترض أن القرار هو خطوة في طريق محاربة التلوث السمعي الذى نعيشه، مكبرات صوت يتم استخدامها فى أي وقت، ولا يُمكن السيطرة على مستخدميها، فتتحول أغلب الأحياء إلى ساحات سجال صوتي بين مكبرات مساجد عدة تتنافس في السيطرة على المجال السمعي للمواطنين! وإذا أضفنا إلى هذا قبح  أصوات كثير، إن لم يكن أكثر ممن يتولون مهمة رفع الأذان؛ فنحن بالضرورة نقف أمام حالة من الجنون بلا أدنى شك.


أدرك جيدًا أن سعادتي بالاستماع إلى الأذان في أفلام السينما، مردها إلى أنه في هذه الأفلام يتم اختيار أصوات المؤذنين بعناية، وهو ما لا يحدث في الواقع، حيث يتنافس هؤلاء الذين يستولون على الميكروفون في إيذاء أذاننا بأقصى درجات الصوت المرتفع،الذى لا يمتلك لا حلاوة الصوت ولا أى معرفة بطريقة رفع الأذان بشكل جميل يدفع المستمع إلى أن يقول "الله" .


لن أتحدث عن شيوخنا الأجلاء القدماء، الذين أمتعونا بأصواتهم التى منت بها السماء علينا، وعلى رأسهم الشيخ الجليل الراحل محمد رفعت، فالاستماع إلى الإذاعة المصرية كفيل بأن يذكرنا بما نفتقده يومياً خمس مرات حين تدعو للصلاة أصوات لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالشيخ الراحل وغيره من مقرئينا الراحلين والحاضرين أطال الله أعمارهم.


لكننى أود أن أذكر فحسب، بالمحاولات الكثيرة فى 2013، و2011، و2009، لمحاولة السيطرة على فوضى مكبرات الصوت من المساجد، والتي لم تنجح أي منها حتى الآن، وكل ما أحلم به، أن تعود إلى سماء القاهرة تلك الأنغام السماوية، التي كانت تصدح بها مكبرات أصوات المساجد فى مدينة الألف مئذنة سابقاً،والآلاف حالياً؛ عسى ألا أضطر أن أحلم بسماء مصر كما أراها فى أفلام السينما القديمة وحسب.
يا رب.