انتصار على إسلام أم انتصار على الإسلام؟
ماذا يعني شخصا مسيحيا من الدين الإسلامي؟ ماذا يعني امرأة مسلمة من الدين الإسلامي؟
يعنيهما كيف يؤثر عليهما في الدنيا. هل هناك خلاف على هذا؟ لا أظن. قد تعني كلا منهما أشياء أخرى، في الدار الآخرة، لكنهما حتما سيتفقان على هذا الجزء.
أريد أن أقول إن كل إنسانة وإنسان شاهدوا "المناظرة" (بحيري أزهري جفري) كان هذا همهم الأول. كل الهموم الأخرى فرعية. من انتصر؟ من كان ملتزما أكثر بـ"المنهج العلمي" (يا واد يا علمي)؟ أو من منهم أكثر قربى إلى ربه ومن منهم "مريب"؟ بل وحتى من منهم يمثل الإسلام الصحيح ومن منهم لا يمثله؟ كل هذه أسئلة فرعية. لكنها - للأسف - ما انشغلنا به.
وسائل إعلامية كثيرة زايدت على رغبة الدولة في احتكار خطاب التجديد الديني وقصره على مؤسساتها. وبالتالي رفعت رايات النصر فوق إسلام بحيري. فما معنى هذا؟
1. هل يعني أن إسلام بحيري غلطان وأن "#نكاح_الطفلة_المربربة" من الإسلام؟
2. هل يعني أن إسلام غلطان وأن كل ما ورد في "صحيح البخاري" صحيح بالفعل، وأن علينا الالتزام به؟ أننا يجب أن نضيق على المسيحيين في الطرقات، ونقتل من يبدل دينه، ونقتل كل من بلغ من رجال الأعداء ونسبي نساءهم؟
3. هل يعني أن إسلام غلطان وأننا سنظل على عهدنا مع المرأة من احتقار لها وربط بالشيطان؟
هذه مجرد أمثلة. وهذا وأشباهه هو جوهر "منهج التفكير" الذي يهمنا. منهج التفكير في علاقة الدين بحياتنا. هل هذه أحكام لكل زمان ومكان أم أحكام متغيرة؟ هل ما كان يصلح قبل 14 قرنا لا يزال يصلح الآن كما هو؟
أما منهج الاستنباط والعلة وكذا وكذا فلا يهمني، كمواطن عادي لا يهمني. تماما كما لا يهمني كمواطن عادي فهم دقائق فيزيولوجيا الجسم، لكن يهمني نجاعة الإجراء الطبي. رفاهيتي متعلقة بخلاصة ما يصل إليه الطب، وليس ببراعة هذا المتحدث فيه أو ذاك.
بمعنى آخر. إن ما يهمني فيما طرحه إسلام، بينما كان الأزهر مرتاحا على وضعه وليس مشغولا بالتجديد، هو أثره على حياتي وحياة ابنتي، على رفاهيتي وعلى أفق هذه الحياة الدنيا بالنسبة لي. ما في الآخرة لن أناقش أحدا فيه لأنه مسؤولية فردية. نعيم المؤمنين بالآخرة فردي وعذابهم فردي.
ما أفهمه، وأنا من مواليد السبعينيات، أن أناسا قتلوا باسم الدين، وأناسا فرق بينهم وبين أزواجهم باسم الدين، وقطاعات اقتصادية انهارت باسم الدين، وسلطة استبدت باسم الدين، نساء في الجوار سبيت باسم الدين، طلاب جامعات قتلوا باسم الدين، في نيجيريا ومصر وباكستان، أفراد، عاديون، قتلوا باسم الدين.
المشكلة الحقيقية أن من فعلوا هذا، لو ركنا إلى "المنهج الديني في استنباط الأحكام"، ربما يهزمون كل المشايخ البسامين. لعل المشايخ لهذا السبب يختارون ألا يناظروهم. وأنا أدعوهم إلى أن يناظروهم. نحن جميعا جميعا ينبغي أن ندعو الأزهر إلى مناظرة القتالين باسم الدين، وقتها فقط سنعرف الحقيقة. وقتها سنعرف أين يقف الأزهر وأين يقف داعش وأين يقف الإسلام في القرن الواحد والعشرين.
يا أساتذة يا مشايخ، إن ما تفعلونه طلقة في الاتجاه الخطأ. صدقوني إن الخبر السيئ لدينكم أن تكونوا فعلا انتصرتم على إسلام بحيري. لأنكم بهذا تقدمون هدية عظيمة لمن يقول إن الإسلام دين دموي جامد يضطهد الآخرين ويقمع النساء. تقدمون هدية عظيمة لمن يقول إن الإسلام دين لا يتجدد ولا يصلح لهذا العصر.
بل ليس أدل على هذا من قول الحبيب علي الجفري إن "داعش صنيعة الحداثة". وهي عبارة حق يراد بها باطل. داعش صنيعة الحداثة بمعنى أنها صنيعة "صدمة الحداثة". الصدمة الحضارية التي مرت بها مجتمعات متخلفة وهي ترى الدنيا تتطور من حولها بما لا يدع مجالا للشك في أي الطرفين يصنع "دنيا أجمل"، ومجتمعات أفضل. فارتدت هذه المجتمعات على ذاتها، وبدأت تتصرف ببارانويا، بخليط مرضي من الإحساس بالدونية والإحساس بالأفضلية. بخليط مرضي من العجز عن البناء والإبداع في الهدم. بخليط مرضي من الخوف ومن الاستفزاز، من الاتكالية والنفور.
شكرا إسلام بحيري، شكرا للمجتمع المصري، الذي تحرك لكي يزيح عن مصر متطرفين وصلوا إلى قمة السلطة، متطرفين صنعوا على مرأى ومسمع من الأزهر ومناهجه، ولا يزالون داخله.
يا مشايخ الأزهر، ويا مؤسسات الدولة، من فضلكم، ناظروا هؤلاء: