التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 12:56 م , بتوقيت القاهرة

لماذا يلجأ الناس إلى الحرب؟

قد يكون هذا السؤال سؤالا وجوديا ولكن لماذا يلجأ الناس بالفعل إلى الحرب؟  


أحد الأسباب للحروب هو تسوية نزاع يعجز المحاربون ومن يقف وراءهم عن حله سلميا.  ولكن هذا الموقف العنيد والذي سيصل إلى مرحلة القتل والاستعداد للتضحية يستند كثيرا إلى كذبة يتم تكرارها، بحيث أن الجهة التي تكذب على شعبها كثيراً ما تبدأ تصدق أكاذيبها. هذا هو الحال بل وأكثر من ذلك عندما تتحدث عن حرب داخلية أو أهلية حيث يكون المقاتلون من نفس البلد أو من نفس المنطقة.    


في حين أن الحرب كثيرا ما تحدث عندما يكذب كلا الطرفين على أنفسهما وعلى الآخرين، إلا أن كذبة جانب واحد يصدقها المقاتلون غالبا ما تكون كفيلة لاندلاع الحرب. 


وبالتالي، إذا كانت الحرب نتيجة كذبة، ماذا سيحدث إذا عرف الجميع الحقيقة؟  طبعا في الغالب من الصعب معرفة أين تكمن الحقيقة المطلقة. وإذا كانت الحقيقة مرتبطة بما يريده الشعب فلا بد من آلية لمعرفة توجهات الناس. الحل طبعا يكون من خلال انتخابات حرة ونزيهة كثيرا ما يكون من الصعب معرفة أي جانب من الآراء يمثل حقا الأغلبية.  والانتخابات هي عمل معقد يتطلب توافقا بشأن كيفية تنفيذها. هل يعتمدون على أساس القوائم الوطنية أم على أساس نظام الصوت الواحد؟ هل الانتخابات تعني أن يحصل الفائز بأغلبية بسيطة على كل السلطات أم أنها تشجع على تقاسم السلطة؟  والقائمة تطول وتطول.


إلا أن الانتخابات ليست كافية لأنها تتطلب بيئة مواتية تتيح وتشجع الحوار والنقاش اللذان يشملان على أكبر عدد من الناس ممن يمثلون مختلف الفئات في البلاد.


الحرب الأهلية غالبا تكون مبنية على أساس الصراع بين جماعات وأحزاب أو أعضاء الجماعات الدينية المختلفة. هذه الأخيرة هي أسوأ نوع لأنه يدخل الله عز وجل (كما يراه كل طرف) كحكم تكون كلماته- حسب ما يفسرها البشر- هي الحقيقة المطلقة غير قابلة للنقاش.


بينما تعكس الحروب الأهلية رفض تقييم حجم المجموعات بصدق وتشمل الغرور الذاتي للأفراد الذين يعتقدون أن الله هو إلى جانبهم، فإن الحرب نفسها كثيرا من الأحيان لا تبدأ ولا تستمر دون أطراف خارجية. المقاتلون هم من السكان المحليين ولكن الموردين للأسلحة وكذلك الحلفاء من الممولين والسياسيين غالباً ما يكونون من الخارج.  


لوقف الحرب يحتاج القادة الشجعان إلى وقف الكذب وإلى قول الحقيقة. في العادة هذا صعب، ولكن الوضع يكون أصعب بكثير عندما تكون تكلفة الحقيقة صعبة خاصة بعد تعدد القتلى وارتفاع عدد الذين يتم بتر أعضائهم ناهيك عن الأضرار والدمار.


لوقف الحرب، فإن السكان المحليين يحتاجون إلى مقاومة إغراءات الدعم الخارجي وإلى التواصل مع المواطنين من أبناء الوطن الواحد بهدف وضع حد للمجزرة. لوقف الحرب التي تكون قد اندلعت على أساس ديني يحتاج القائد الشجاع إلى وقف استخدام إلهه كالمرجعية المطلقة وقبول الحلول الوسط التي يقدمها البشر. 


الهدف من الحرب هو تسوية النزاع.  ولكن لا تتم تسوية كل النزاعات باستخدام الحديد والدم.  يأتي الوقت حين يكون من الضروري أن يتفق أو يختلف الفرقاء والمضي قدما نحو ما هو الأفضل لأمة بأكملها.  في بعض الأحيان يعني هذا الحاجة إلى ابتلاع الدواء المر ألا وهو الهزيمة أو شبه الهزيمة.  والحرب غالباً ما تعني قبول حل وسط تعرف أنه ليس عادلاً ولا يعكس طاقتك أو إنجازاتك على الأرض.


في المنطقة العربية اليوم، لا يبدو أننا قريبون من إنهاء الحروب التي تضيء في كل مكان حولنا. أن تعيش حيث يقبلك الجميع أو حيث يصوَّر الجانب الآخر على أنهم جميعا إرهابيون، كما هو الحال في سوريا لن ينهي الحرب أبداً.  واستخدام الله والدين لتحفيز الشعب لتحقيق مكاسبك السياسية كما هو الحال بالنسبة لأمثال القاعدة وداعش وكذلك المستوطنين اليهود المتزمتين ليس هو الصيغة التي ستحرز النجاح على المدى الطويل. إن رفض خطط المشاركة في السلطة ومحاولة اتخاذ جميع القوى باستخدام الوسائل العسكرية كما هو الحال في ليبيا ومصر وإلى حد ما اليمن يعني أيضاً أنك تعيش كذبة لا يمكن أن تستمر.


يقول المثل العربي "مجنون بيرمي حجر بالبير وألف يطلعون الحجر منه". في الوقت الحاضر يبدو أن لدينا الآلاف من الرجال المجانين والعطشانين إلى الحرب ويكاد لا يوجد شخص عاقل يحاول إنهاء هذه الحروب المجنونة وغير الضرورية.