التوقيت الإثنين، 25 نوفمبر 2024
التوقيت 05:00 م , بتوقيت القاهرة

لماذا يتحالف الأزهر مع الإخوان والسلفيين؟

ربما يكون مدهشًا وجود هذا التحالف، لكنّه للأسف حقيقة موجودة على الأرض منذ زمن طويل.  نعم يوجد تحالف، بل وتحالف قوي، ربما يكون غير مكتوب.  فهم جميعًا يخوضون على سبيل المثال حربًا شرسة ضد إسلام بحيري بذات الأدوات الفقهية والتكفيرية. وفعلوها مع غيره على امتداد عقود وعقود. إذا وضعت اسم "بحيري" على محرك البحث جوجل، ستجد عشرات الفيديوهات من أزهريين ومن إخوان ومن حلفائهم من الإسلاميين.


فما هو الخطاب الذي يستند اليه هؤلاء الحلفاء؟


خطاب واحد:  
* تكفير إسلام بحيري. 
* الدفاع الشرس عن التراث الفقهي الإرهابي الدموي. 
* إعادة تأويل القرآن الكريم بما يتناسب مع هذه الرؤية الإرهابية للإسلام. 
* الدفاع عن سلطتهم الدينية، بمعنى احتكار التحدث باسم الإسلام.


أليس هذا غريبًا؟ 
ليس غريبًا، لأن الأساس الفقهي والديني واحد بين كل هؤلاء الفرقاء. فالإخوان لم يبذلوا أي جهد لتطوير خطاب ديني يتصالح مع الإنسانية. ومثلهم الأزهر ومثلهم عموم تيار الإسلام السياسي، بما فيهم السلفيون، وهم في الحقيقة الأكثر وضوحًا، فخطابهم التكفيري الإرهابي واضح لا لبس فيه. أما الأزهر والإخوان فهم يتجنبون الخوض أو استعادة ما يؤمنون به من فقه وتأويل لكتاب الله يعزز العنف والإرهاب ويمنحهما الغطاء الشرعي. لكن ستجدهم يقولون الكلام المستهلك حول "تسامح الإسلام" و"وسطية الإسلام".. إلخ. دون أن يحذفوا أو يعلنوا رفضهم للفقه الإرهابي أو للتأويل الديني الإرهابي.


بالطبع هناك استثناءات هنا وهناك، لكنّها استثناءات فردية مثل حالة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، ومثل حالة حزب الوسط، لكنّهم للأسف لم يؤسسوا لخطاب ديني جديد. اكتفوا فقط بخطاب إنسانيّ محترم، لكن ليس له أرض فقهية دينية. لذلك لم يتركوا أي تأثير يذكر.


لماذا إذًا اختلف الأزهر مع الإخوان وغيرهم؟ 
الخلاف بين الإخوان والأزهر  أظن أنه لم يكن خلافًا حول الخطاب الديني، ولا خلافًا حول تحويل مصر إلى دولة دينية، لكنّه خلاف حول من يملك ويحتكر السُلطة الدينية. أي من هو المتحدث الوحيد باسم الله جل علاه، ومن هو المتحدث الرسمي باسم الإسلام. أي كان الصراع على السُلطة الدينية على البلد، ولم يخض الأزهر الصراع من أجل دولة ديمقراطية محترمة، ولا من أجل أنه يمتلك خطابًا دينيًا مناقضًا للإخوان والسلفيين.


لذلك يحارب الأزهر ورجاله من أجل أن نمنحهم قداسة ليست لهم. فالحقيقة أنه من الأمور المؤسفة هو الاستسلام العام لتقديس وتبجيل مؤسسة أيًا كانت أو شخص أيًا كان. فالمؤسسات والبشر ما هم إلا مجتهدون، يمكننا قبول ما يقولونه أو رفضه بحرية كاملة ودون تكفير أو خوف.


ما الدليل على ما أقول؟ 
الأدلة مُعلنة. يمكنك الرجوع إلى أدبيات الأزهر الحقيقية. ويمكنك الرجوع إلى إصداراته، ويمكنك أيضًا الرجوع إلى فيديوهات رجاله على اليوتويب. منها فيديو شهير لشيخ الأزهر يكفر المسيحيين وغير المسلمين مثله مثل فقهاء الإخوان والسلفيين ومثله مثل داعش. فلم يقدم اجتهادًا جديدًا لتأويل النص بشكل يجفف منابع الإرهاب.



والمحزن أنه يكفر من يحاولون أن يفعلوا ذلك. ويُمكنك الرجوع إلى موقف الشيخ محمد الغزالي (محسوب على الإخوان)، عندما دافع عن قتلة فرج فودة. ويمكنك الرجوع الى الفقهاء المعتمدين للإخوان وهذا موجود في كتبهم.


كل هذا من أجل إسلام بحيري؟ 
لا من أجل الإسلام والمسلمين. فما يفعله بحيري هو خطوات في طريق طويل لمجتهدين عظام مثل علي عبد الرازق وفرج فودة وسيد القمني والمستشار سعيد العشماوي ومحمد عبد الله نصر وغيرهم وغيرهم. يريدون إزالة الوجه الإرهابي الدموي للإسلام، الذي حول معظم المسلمين إلى إرهابيين محتملين.


ما علاقة كل ذلك بالمواطن؟ 
سيخرج المواطن من دائرة العذاب اليومي. فطوال الوقت يشعر أنه مذنب ومخطئ، فمن المؤكد سيكون مصيره جهنم، لأنه لا ينفذ تعليمات التراث الفقهي الدموي، ولا ينفذ تعليمات التأويل الإرهابي لكتاب الله جل علاه. ومن ثم يمكن لي ولك كمسلمين التصالح مع الحياة ومع الإنسانية، وتنتقل وأنتقل إلى أن نكون طاقة نور لغيرنا من البشر وليس طاقة دمار.


هل ثُرنا ضد الإخوان لكي نسلم البلد لرجال الأزهر؟ 
لقد نزعت أغلبية المصريين القداسة عن تيارات الإسلام السياسي، بعد أن اكتشفوا أنهم مجرد بشر لا أكثر ولا أقل، وليسوا متحدثين معتمدين باسم الله جل علاه. فليست هناك وساطة بين الإسلام والمسلمين، ولا بين الله جل علاه ولا عباده.


فإذا كنا قد فعلنا ذلك، فلماذا ننجر لمنح قداسة لرجال مثلي ومثلك، لكي يتكسبوا من احتكار الإسلام والمسلمين. لماذا نمنح قداسة لأي من كان حتى يأمرنا بأن نفعل ولا نفعل؟


أنت صاحب مصلحة في أن تكون أمامك كل الاجتهادات بحرية كاملة، وتختار من بينها ما يطمئن له قلبك وعقلك. ولذلك أنت صاحب مصلحة  القضاء على سُلطة المنع، أي نزع سلطة المنع عن أي مؤسسة أو أي شخص. بدون ذلك ستكون وسوف أكون عبدًا لفكرة واحدة لا ترى غيرها.


ليس مهمًا أن يُعجبك بحيري أو لا يُعجبك، فالأهم هو أن تدافع عن حق كل المجتهدين في التواجد دون خوف أو إرهاب. لذلك هي ليست معركة إسلام بحري، ولكنّها معركتي ومعركتك ومعركة كل المسلمين.