سار الشاب العشريني بهدوء وخطى ثابتة، تلاحقه كاميرا "دوت مصر" الخفية، نحو إحدى بوابات مستشفى "جامكا" الجانبية، بأحد شوارع حي جاردن سيتي الهادئ، ليستقبله شاب أسمر بصوت خافت: "أهلا بيك.. إنت مسافر فين.. السعودية.. طيب أنا هظبتك".

كان الشاب الأول هو محرر "دوت مصر" الذي بدأ في التفاوض مع سمسار التقارير الطبية اللازمة للسفر، تستلزم في العادة ساعات طويلة لعامة الشعب مقابل 25 جنيهًا، وينجزها السمسار في أقل من دقيقة مقابل 100 جنيه كعرض خاص لمحرر "دوت مصر" الذي ادعى أنه أحد الراغبين في السفر.

على بعد أمتار من مبنى قسم شرطة قصر النيل يقع مبنى مستشفى "جامكا"، التابع لجامعة القاهرة لإنهاء أوراق المواطنين المسافرين لدول الخليج والدول التي يتطلب السفر إليها تحاليل طبية.

يقصد المستشفى يوميا عشرات المواطنين من الراغبين في السفر لدول الخليج وخاصة السعودية، كخطوة في طريق إنهاء أوراقهم للسفر.

اكتشفنا الأمر في مرة سابقة، حينما اقترب محرر "دوت مصر" من باب الدخول في جامكا للاستفسار عن إجراءات وتكاليف الفحص الطبي وخطاب التحويل لاستكمال الفحوصات، وبمجرد الوقوف أمام باب المستشفى، بدأ سماسرة الخطابات الطبية في عرض خدماتهم بشكل مباشر، واقترب أحد السماسرة ويدعى محمد.

قال السمسار "عاوز حاجة يا باشا.. هنخلصك على طول.. هى دقيقة.. ولا وقفة الطابور  ولا تضييع وقت"، استفسرت منه عن قصده فأكد لي أنه من الممكن أن يُنهي خطاب التحويل الخاص بي لاستكمال الفحوصات الطبية مباشرة، بدلا من الانتظار لساعات، وعندما سألته عن التكلفة أجاب "120 جنيها للموظف اللي هيخلص الجواب وراضيني أنا بأي حاجة"، ولمجاراته في الحديث، عرضت عليه 150 جنيها تكلفة إنهاء الفحص الطبي وخطاب التحويل، إلى جانب عمولته فرحب قائلا "أنا كدا مرضي".

وبسؤله هل تقديم الدور سيثير غضب المواطنين المنتظرين، فأجاب "هاتهولي انت بس على الباب وملكش دعوة.. هو أنا أول مرة هعملها".

الطريف في الأمر أن نفس السمسار حذرني من التعامل مع سماسرة آخرين بالقرب من وزارة الصحة، قائلا "متتعاملش مع أي حد يعرض عليك خدمات عند وزارة الصحة لأنهم نصابين"، مضيفا "هيقولولك هات 250 جنيها ونحجزلك في جامكا متسمعش كلامهم.. وتعالالي أخلصك في دقيقة واحدة".

وعلى رصيف جامكا افترش عشرات المواطنين الأرض، في انتظار دورهم في "كشف الحكومة".

مجاهد علي 25 عاما أكد أنه ينتظر دوره من الساعة العاشرة صباحا حتى الآن، مضيفا "موظف في جامكا عرض علي أخلص جوابي وأدفع 100 جنيه "رأفة بحالي"، بس ممعايش.. ولو معايا فلوس كنت دفعت وخلصت بدل البهدلة دي".

 الأمر ذاته تكرر حينما توجه مُحرر "دوت مصر" للمعامل المركزية لوزارة الصحة، ليفاجأ بتحذير من أحد الموظفين من عدم التعامل مع أي فرد خارج المبنى.

وأمام المبنى وقف سمساران لعرض خدماتهما لسرعة إنهاء الإجراءات والتحاليل مقابل 180 جنيها.