التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 02:27 م , بتوقيت القاهرة

هاتف الخلافة

هاتف الخلافة.. هو المعنى الذي كان يُفكر فيه أحمد الرجال ورفاقه من كلية الفنية العسكرية، يوم قاموا باقتحامها، ومحاولة قتل السادات، وهو ذات العنوان الذي اختاره في مذكراته الهامة، التي حررها له الدكتور كمال حبيب، عن أحداث يوم 18 أبريل عام 1974.

اندفع هؤلاء الشباب مثل غيرهم هذه الأيام، خلف هاتف في أنفسهم، وبعواطفهم الجيّاشة، وكأنّه الظل الملازم لصورة الإنسان حين يتحرك.

الهاتف في الحقيقة هو فعل نفسي ذو طبيعة حشدية، تنادي في الإنسان عوامل الإقدام والشجاعة لاستعادة ما فُقِد، ومن ثم تثير قلقه، وتدفعه للتحرك بلا خُطّة ولا سؤال عن المستقبل، ولا بحث عن الكيفيات، وتدفع النفس إلى أقدارها حتى لو كان ذلك إلى الموت.

الهواتف فعل غيب لا ترى من يرسله لنفسك، بيد أن أخطرها الهاتف بفعل ما لا تعرف مآلاته ولا نتائجه، وهذا تقريبًا ما حكاه الرجَال في مذكراته الهامة، يوم كان شابًا غضًا طريًا فى العشرين من عمره، طالبًا بكلية الطب، من جيل الخمسينات، وهو الجيل الأول المؤسس لما يعرف الآن، بـ"السلفية الجهادية".

أوهموا أحمد الرجَال أن التنظيم لديه قوة عسكرية في الجيش، وأن هذه القوة ستقوم بالانقلاب، ودور المدنيين هو مساعدتهم فقط، وحاول بكل الوسائل أن يقابل أميره، لكنّه عجز، لكنّهم أوهموه أنه رجل عالِم، وأنه سياسيّ محنك، وله علاقة بالنخبة السياسية الحاكمة، ويعرف كيف يصنع القرار في الدولة، فظنّ أنه حسين الشافعي، لكنّه اكتشف بعد سنوات أنه كان مخطئًا.

أكد "الرجال"، أن اقتحام الفنية لم يكن في الخُطّة، ولا الحسبان، لكن كارم الأناضولي الذي توطدت علاقته بصالح سرية، في الـ6 أشهر الأخيرة قبل العملية، كان بينه وبين أساتذته ثأر، وأراد أن يقبض عليهم ويعلمهم الأدب، وفق قوله، فغيّر الخطة، بعد أن تولى القيادة.

لم يتصور أحمد الرجال أن يقتل بشكل فردي حراس الكلية، هنا استيقظ ضميره ليزيح عنه هاتف الخلافة الذي يناديه، فقرر أن يبلغ عن العملية، وهنا ركب "تاكسي" وذهب لمنزل الرئيس السادات، حيث قابله ضابطان لم يأخذا كلامه على محمل الجد، فحبسوه وهم يستهزآن به، إلى أن تمت العملية، فسلماه لأمن الدولة.

رأى أنه لا بد أن يوقف زملاءه عما سيفعلون، لأن ذلك مخالفًا للدين، وأن التغيير السلمي للمجتمع هو الأجدى، فجعله الأمن شاهد ملك في القضية، فاتهمه زملاؤه على الفور أنه مرشد وعميل، رغم أنه يؤكد أنه كان وفيًا لهم، وبالذات صديقه، الذي قتل "محمد الباشا" الذي دعاه للدخول إلى التنظيم.  

يعترف "الرجَال" أنهم أثناء تلقيهم تدريبات بدنية قبل العملية، كانوا يمرون على منزل جمعة أمين القيادي الإخواني المعروف، وأن القيادي طلال الأنصاري، ابن الشاعر الإسكندراني عبد المنعم الأنصاري، والذي توسّط له فيما بعد عند السادات فخفف الحكم من الإعدام للمؤبد، أكد لهم أن زينب الغزالي كانت الوسيط بين جماعة الإخوان وبين التنظيم، وأنها كانت تقول لهم، قول حسن البنا، إن الثعبان لا يقتل إلا من رأسه، وهو رئيس الدولة.

ونقل "الرجَال" عن القيادي ياسر سعد، أنهم قسموا التنظيم إلى 4 أقسام، مدني، ودعوي، وجيش، وحرب عصابات، وأنه كان يتصور أنه يعمل في جناح تابع للإخوان، وأن حسن الهضيبي هو الخليفة، لأن في هذا الوقت، قيادات الجماعة الإخوانية، أكدوا لهم أن الحكام مغتصبون للسلطة، ولا يقيمون شرع الله، لكن حدث اتفاق بين الإخوان والدولة، حيث أوهمت الجماعة السلطة أنها تستطيع القضاء على العنف، فخدعوها وخدعونا.

وأضاف، نحن اختلفنا في السجون حول مسألة التكفير، ولو رجعنا للوراء لوجدنا الإخوان هم من أصّلوا لفكرة تكفير الحكام وتكفير العوام.

وذهب المهاجمون إلى كلية الفنية العسكرية، وذبحوا 5 من الحراس، ودخلوا هائمين على وجوههم، وحدثت المعركة مع الطلبة الآخرين والحراس، حتى تم إلقاء القبض عليهم، ومن مفارقات القدر أن أحد المهاجمين حاول أن يطعن أحد الحراس في جنبه، فتلقى السكين بيده، وضرب المهاجم وقبض عليه، وتبين أن الحارس هو خليل ابن علي خليل لاعب نادي الزمالك المشهور.

التقى الرجَال في السجن بأعضاء من جماعة التكفير، ويعترف قائلاً: إن شكري مصطفى كان ساحر البيان، وله كتب متعددة، مثل "فقه الهجرة"، و"التوسمات"، كما كان شاعرًا ومن أشعاره، أنا لن أسجد لإله من دون الله، أنا أعرف حقًا من أعبد، اسمعنى يا عبد الله، واتبعني في أرض فلاة.

وتابع، أن شكري كان يستخدم المنطق الرياضي في أمور الفقه، وهو ما لا يجوز في الأحكام الدينية، على سبيل المثال، "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون"، فيقول إذا تساوى العمل يتساوى الجزاء، فقال الله الكافرون، ومرة أخرى الفاسقون، إذن الثلاثة بمعنى واحد وهو الكفر، رغم أن رجلاً بسيطًا رد عليه، هو أن هناك كفرا يُخرج من المِلة وآخر لا يُخرج.

وأضاف، حاول يحيى هاشم تهريب المتهمين من السجن، وهو وكيل نيابة سابق، يؤمن بحرب العصابات، وقد قتل فيما بعد في مواجهة مع الشرطة، بالمنيا.وبعد سنوات السجن، قال سألت بعض أعضاء التنظيم، هل لو وصلتم للسلطة كنتم ستأتمنون على إدارة الدولة، فأجابوا جميعًا، لا.

هذا إذن هو "هاتف الخلافة"، الذى نادى على الرجال، كان كصوت جاف لا يمكن مقاومته، لكنه أخيرًا، استفاق من غفوته الطويلة.