اتفاق الإطار النووي
حيرة عربية، وفرح غامر في طهران، وصدمة قوية لإسرائيل!
رغم التنازلات الضخمة التي قدمتها إيران في اتفاق الإطار لتسوية الملف النووي الإيراني، ابتداء من تحديد عدد أجهزة الطرد المركزي في معامل "ناثان" في حدود 6 آلاف جهاز تعمل في تخصيب اليورانيوم إلى درجة منخفضة لا تصل إلى 5% لإنتاج وقود نووي لمحطات الكهرباء، وخفض مخزونها من اليورانيوم المخصب من 10 آلاف إلى حدود 300 كيلوجرام، ووقف العمل بالكامل في مفاعل فوردو تحت الأرض قريبا من مدينة قم وعدم استخدام أجهزة الطرد المركزي الأكثر سرعة الموجودة داخله، وتدمير قلب مفاعل "أراك" الذى يعمل بالماء الثقيل، وإخضاع كافة منشـآت إيران النووية لرقابة وكالة الطاقة الدولية على مدار اللحظة والدقيقة.
رغم كل هذه التنازلات الكبيرة استقبل الإيرانيون الاتفاق بفرحة غامرة، وخرجوا إلى المطار يستقبلون وزير الخارجية جواد ظريف رئيس وفد التفاوض الإيراني استقبال الأبطال، لأن الاتفاق سوف يخلصهم من العقوبات الدولية التي أرهقت الاقتصاد الإيراني، وكان لها أثرها الفادح على كل بيت فى إيران.
والأغرب من ذلك أن أحدا لم يعد يسمع حسا ولا خبرا لاعتراضات تيار المحافظين فى الحوزة الحاكمة، الذين يعتبرون التعامل مع الولايات المتحدة نوعا من التعامل مع الشيطان الأكبر، ويعارضون الاتفاق من حيث المبدأ، خاصة أنه ينطوي على تنازلات مهمة والتزامات عديدة، يطول أمد معظمها إلى أكثر من 15عاما! بينما يؤكد رئيس الجمهورية حسن روحانى زعيم الإصلاحيين عزم طهران على احترام الاتفاق وتنفيذ بنوده وبدء صفحة جديدة فى علاقات التعاون بين إيران والمجتمع الدولي.
والواضح أن خيار الإصلاحيين بالانفتاح على العالم يزداد قوة، وربما تكون له آثاره الكبيرة بعيدة المدى على المجتمع الإيراني، خاصة ما يتعلق منها بقضايا الحريات العامة والخاصة، إذا قويت شوكة المحافظين وتحسن موقف إيران الاقتصادي بعد رفع العقوبات.. وربما تكون أول بوادر التغيير قرار أخير أصدرته حكومة حسن روحاني، يسمح لنساء طهران بمشاهدة المباريات الرياضية، الأمر الذي كان محظورا بالكامل!
ويعتزم الرئيس الأمريكي أوباما دعوة السعودية ودول الخليج إلى مؤتمر يعقد فى كامب ديفيد، يكرس أعماله لطمأنة دول الخليج على أن اتفاق تسوية الملف النووي الإيراني لن يتم على حساب الأمن العربي وأمن دول الخليج، وأغلب الظن أن مؤتمر كامب ديفيد سوف يبحث فرص تسوية الأزمة اليمنية، وإلزام طهران التوقف عن مساعدة الحوثيين واحترام الشرعية الدستورية فى دول المنطقة، كما يبحث فرص تسوية الوضع الراهن فى البحرين، الذي يقسم البلاد على نحو طائفي؛ بسبب تشجيع طهران شيعة البحرين على إثارة القلاقل والفتن! رغم التزام الملك حمد بن عيسى بعدد من الإصلاحات الدستورية والتشريعية المهمة.
ولا يُعرف بعد إن كان مؤتمر كامب ديفيد سوف يبحث حق السعودية وبعض دول الخليج فى أن يكون لها برنامج نووي، يمكنها من استخدام الطاقة النووية لأهداف سلمية، لأنه لا معنى لحرمان العرب وحدهم من هذا الحق، بينما يعترف الغرب بشرعية البرنامج النووي الإيراني، وتتفرد إسرائيل ببرنامج عسكري يمكنها من صنع أسلحة نووية! ولأن السعودية رحبت على نحو حذر باتفاق الإطار النووي على أمل أن يشكل إضافة مهمة لعناصر استقرار المنطقة وأمنها، إلا أن إقرار حق طهران فى استخدام الطاقة النووية لخدمة مشروعات التنمية يمكن أن يفتح الباب لعدد من الدول العربية من الاستفادة من هذا الحق القانوني المشروع الذى تقره اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، خاصة أن استخدام إيران للطاقة النووية سوف يفتح أمامها فرصا عديدة لتطور تكنولوجي مهم يرقى بمجالات التنمية الصناعية والزراعية والطبية.
وبرغم هذا التفرد الذي تتمتع به إسرائيل، ومكنها من صنع أكثر من 200قنبلة نووية رغما عن الشرعية الدولية ورغما عن أنف المجتمع الدولى، يرفض بنيامين نتنياهو اتفاق الإطار النووى مع إيران، ويملأ العالم صياحا وغضبا وتهديدا، لأن الاتفاق يتيح لطهران تخصيب اليورانيوم إلى حدود لا تصل إلى5% تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة من أجل تصنيع وقود نووي لمحطاتها الكهربائية.
والأكثر مدعاة للدهشة أن يدعو بنيامين نتنياهو مجلس وزرائه المصغر الذي يختص بقضايا الأمن إلى اجتماع عاجل، ينتهى بقرار يصدر بالإجماع، يساند موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي، ويدعم إصراره على إفساد الاتفاق، ما لم يتضمن إلزام إيران وقف كافة أعمال تخصيب اليورانيوم وتدمير كافة منشآتها النووية، في إشارة واضحة إلى عزم نتنياهو محاولة تخريب الاتفاق داخل الكونجرس، وتحريض النواب الأمريكيين فى المجلسين، الشيوخ والنواب، على رفضه فى حركة تمرد واسعة تهدد الاتفاق بالغرق قبل أن يكتمل تنفيذه!
لكن ثمة ما يشير إلى أن الرئيس أوباما الذي ينهمك في برنامج مكثف للاتصال بنواب الكونجرس، يستهدف إقناعهم بأن اتفاق الإطار يسد كل الفرص والطرق على إيران لصنع قنبلة نووية، والواضح أن هناك فرصا متزايدة لنجاح أوباما فى تمرير الاتفاق، لأن البديل هو قيام حرب جديدة في الشرق الأوسط لا يتحمس لها الأمريكيون ولا يريدونها.
والواضح أيضا، أن أكثر ما يثير غضب بنيامين نتيناهو، ويزيد من حرصه على إفشال الاتفاق، إحساسه بأن جهوده لوقف الاتفاق ومنعه ذهبت أدراج الريح، وأن خطابه أمام مجلسي الكونجرس تبخر دخانا في الهواء دون أي أثر، بما يؤكد حجم التغيير الضخم الذي طرأ على إسرائيل وقلص دورها ومكانتها، لكن الأخطر من ذلك إشارات نتنياهو الغامضة التي توحي بأن إسرائيل يمكن أن تبدأ عملية عسكرية منفردة يتم خلالها قصف المنشآت الإيرانية بهدف تدمير فرص الاتفاق، إن أصبح واضحا أن جهوده فى الكونجرس الأمريكي سوف تلقى فشلا مؤكدا، وإن كانت كل الشواهد والدلائل تؤكد أن نتنياهو لن يجسر على المضي قدما في هذه الخطوة، لأنه لا يملك الإرادة السياسية الكافية التي تمكنه من القيام بعملية عسكرية سوف يعارضها غالبية الإسرائيليون، خوفا من ردود أفعالها لأن إيران تملك قدرة صاروخية عالية تمكنها من الوصول إلى كافة مدن إسرائيل.
كما أن نتنياهو لا يملك القدرة العسكرية التي تمكنه من تنفيذ هذا القرار، وتساعده على عبور القاذفات الإسرائيلية لأجواء عدد من الدول لن تسمح له بالعبور فوق أراضيها لتدمير منشآت إيران النووية.
وأغلب الظن أن إسرائيل سوف تمتثل لقرار الدول الخمس الدائمة العضوية فى مجلس الأمن وبينها الصين وروسيا والولايات المتحدة وإنجلترا وفرنسا التى تمنح الاتفاق النووي مساندتها، لأنه يضع منشآت إيران النووية تحت المراقبة على مدار اللحظة والدقيقة دون إخطار مسبق، ويوفر على العالم أجمع فرص قيام حرب جديدة في الشرق الأوسط لا يعرف أحد متى تنتهى إن بدأت بقصف إسرائيلي لمنشآت إيران النووية، يصعب أن ينجح فى تدميرها على نحو شامل لوجود هذه المنشآت على مسافات متباعدة تتطلب استمرار عملية القصف الجوي عدة أيام، وتعطى لإيران الفرصة كي ترد العدوان الإسرائيلي بضرب صاروخي مؤثر يصل إلى عمق إسرائيل.