"بيوت الشباب".. صنع في ألمانيا
بدأ حلم ريتشارد شيرمان، من مدينة ديتمون، في ألمانيا، عندما رأى أن الجغرافيا لا يجب أن تدرس في داخل الفصول، ولابد من الخروج إلى الطبيعة في الغابات والمتاحف والجبال، نظرًا إلى عمله كمدرس للجغرافيا والتاريخ.
وبدأ يخرج شيرمان، من المدينة إلى الغابات كل أسبوع في يومي السبت والأحد مع طلابه، وفي أحد الأيام ذهب إلى غابة من الغابات، وسقط المطر بشدة، ولم يتمكن من الرجوع، فلجأ إلى أحد الفلاحين حتى يبيت عنده للصباح.
كان ذلك في شهر أغسطس من العام 1909، وظل يبيت عند الفلاح مع طلابه عددًا من الأيام، الذي قدم لهم مخبوزات وطعام، وكان يبلغ عددهم 25، ومن هنا جاءت فكرة إنشاء بيوت للشباب في مختلف البلدان، حتى يسهل عليهم زيارة بلده، وبالفعل انشأ أول جمعية بيوت الشباب في ألمانيا، وانتشرت لتصل إلى 400 بيت شباب في أنحاء أوروبا بحلول العام 1954.
وذهب إلى ألمانيا طالب مصري لتحضير الدكتوراه في العام 1950، يدعى، جمال الصحراوي، وحصل عليها ، ورجع إلى مصر في العام 1954، وهو أول من فكرة في إنشاء بيت شباب في القاهرة.
وأنشأ الدكتور الصحراوي أول جمعية ومعه 60 مصريًّا مؤمنين بمبادئ الجمعية، والتي جاءت أهدافها تحت عنوان: "اكرم ضيفك واعرف بيتك"، ثم انتشرت في مصر، وأصبح أكثر من 18 بيتًا للشباب في القاهرة والإسكندرية والسويس والإسماعيلية ودمنهور والفيوم وبورسعيد وشرم الشيخ وسوهاج وأسيوط والغردقة والأقصر.
ومع مرور الوقت أتاحت تلك الفكرة للشباب الإقامة بسعر رمزي في 90 دولة في أنحاء العالم من خلال أكثر من 60 ألف بيت شباب، ولم يقتصر دور الجمعية على الإقامة فقط، بل كان تهدف إلى التثقيف والوعي والثقافة والرحلات لمختلف المحافظات والبلدان العربية والأجنبية.
وجمعية بيوت الشباب المصرية، عضو في الاتحاد العربي لبيوت الشباب، ومقره القاهرة، الذي يضم 22 دولة عربية، وعضو في جمعية الاتحاد الدولي لبيوت الشباب في لندن، والذي يضم 90 دولة على مستوى العالم، ويتم إقامة مؤتمر سنوي، لدراسة ومناقشة الإستراتيجيات الجديدة، وعرض الخريطة السنوية لنشاط كل جمعية، وتسهيل زيارات للشباب، وتبادل الخبرات والثقافات والمعلومات.
ووصل عدد المصريين المشتركين في عضوية جمعيات بيوت الشباب المصرية إلى 22 ألف عضو، ويتم اختيار مجلس الجمعية عن طريق الانتخاب، وهو ما جعل هناك تزايد كبير وتطوير وانتشار في جميع محافظات مصر، إلى أن قام وزير الشباب بإصدار قرار يلغي انتخاب المجلس، وتم تعيين مجلس إدارة من موظفين، وهو ما كان ضد جمعية بيوت الشباب، وأدى إلى تدهور كبير للجمعيات والبيوت في مختلف المحافظات.
وألغيت الانتخابات والأعضاء الممثلين، وأهملت البيوت وتدهورت وأنهارت تمامًا، وقل عدد الأعضاء تدريجيًّا إلى أن وصل إلى 1000 عضو على مستوى المحافظات خلال 20 عامًا بسبب العمل الحكومي، وتم إغلاق الكثير منها بعد تدني حالة المباني وغياب تام للأعضاء.
وقامت الحكومة باستغلال هذه البيوت لهيئات حكومية، نظرًا إلى وجودها في مواقع متميزة في كل محافظة، بالرغم من أنها كانت ملكًا لمواطنين تبرعوا بها، إيمانا بفكرة وأهداف الجمعية ونشاطها، أو كانت عن طريق منح داخلية وخارجية.
وعندما تولى منصب وزير الشباب، خالد عبدالعزيز، قبل حكم الإخوان، أصدر قرارًا بإلغاء التعيين، وتكوين مجلس إدارة منتخب، إيمانًا منه بأهداف الجمعية، وما تحققه من نجاح بالتنسيق مع وزارات عدة، وبالفعل تم إجراء انتخاب أول مجلس لبيوت الشباب بعد 20 عامًا.
وتقدم للترشح لأول مجلس منتخب لبيوت الشباب على منصب رئيسه كل من:
1 - أشرف عثمان علي عثمان، بكالوريوس تجارة، وكان والده يعمل موظفًا في الجمعية، ويمتلك مكتب محاسبة خاص، وسبق تعيينه عضوًا في المجلس تحت السن في دورات سابقة.
2 – اللواء محمد سامي عبدالرحيم، بكالويوس علوم عسكرية، سبق تعيينه رئيسًا في المجلس، ولهذا لم يتم قبوله للترشح، لكنه طعن في ذلك، وأقرت المحكمة بأحقيته في الترشح، وهذا قبل الانتخابات بيوم واحد، ولم يتمكن من عمل الدعاية كافية له لضيق الوقت.
3 – محمد منير الروبي، بكالوريوس إعلام، من محافظة الفيوم.
وفاز بتلك الانتخابات، أشرف عثمان، وذلك خلال عهد وزير الرياضة، إبان حكم الإخوان، أسامة ياسين، وتوالت الطعون على هذا المجلس، ضده، لاتهامه بقضية إهدار مال عام، وتبديد مستحقات العمال لشركة مصر للتأمين بمبلغ 173 ألف جنيه مصري، وعمله في نادي النصر والترسانة، وهو ما يخالف لائحة الجمعية.
وبسبب كثرت الطعون على هذا المجلس، رفض الوزير أسامة ياسين، تسليم المجلس مهامه، وقام عثمان والأعضاء بتقديم شكوى إلى مجلس الدولة، الذي أقر بتسليم المجلس مهامه.
وعندما تولى منصب وزير الشباب، خالد عبدالعزيز، دعم الجمعيات معنويًّا وماديًّا، حيث منح بيوت الشباب ما يقرب من 25 مليون جنيه، وفتح العضوية للجميع دون التقيد بالسن، ليعود النشاط ويحفز الجميع على الرحلات والسفر، وتم إصلاح بيوت الشباب في السويس والإسكندرية والإسماعيلية.
ويعد الراعي الأول لبيوت الشباب المصرية، الدكتور حسن رجب، وهو أول رئيس مجلس إدارة منتخب لأول جمعية مصرية، ونجح بعده الدكتور جمال الصحراوي، وستشارك جمعية بيوت الشباب المصرية، في بورصة برلين العالمية للسياحة، والتي تحضرها 230 دولة من بينهم مصر.