التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 09:49 م , بتوقيت القاهرة

دماء على الأسفلت.. من أمن العقاب أساء الأدب

حادث جديد نستيقظ عليه كل يوم، ودماء تسيل على طرق مصر في كل مكان.. أتوبيس ينقل أطفالا في رحلة مدرسية والأطفال يضحكون ويمرحون فيعودوا جثثا هامدة.. وموظفون وعمال في طريقهم لعملهم لبدء يوم جديد من السعي على الرزق ليعودوا لأطفالهم بمصروفات المدارس أو هدايا عيد الأم أو لعبة لطفل صغير فيجدون الموت في انتظارهم.



وبعيدا عن نظرية المؤامرة نؤكد أن حوادث الطرق في مصر أصبحت ظاهرة، بل تكاد تكون كالظواهر الطببعية، فكما تشرق الشمس وتغرب تقع الحوادث ويسقط الضحايا يوميا ما بين قتيل وجريح، ويخرج علينا المنظرون والمشككون والمتفذلكون ليحللوا ويقدموا رؤيتهم التي لم ولن تقدم أو تؤخر.. وليستمر مسلسل حوادث الطرق بشكل هزلي وعبثي، وتكون النتيجة المزيد من الدماء على الأسفلت.



حوادث الطرق في مصر تستمر ولن تنتهي إلا إذا احترم الجميع القانون.. ونظرة واحدة لأي طريق في مصر تكشف بوضوح المأساة التي نعيش فيها داخل مصر بمختلف محافظاتها إلا قليلا منها.. السيارات تسير في حرية تامة وكل سائق يفعل مايحلو له هو دون النظر لمن يسيرون حوله.. الانتقال من حارة إلى حارة دون سابق إنذار أو تنبيه.. السير عكس الاتجاه مهما كانت التعليمات المشددة والعقوبات المغلظة.. والسرعات الزائدة على طرق لاتحتمل أصلا نصف هذه السرعات.


الكل يمارس الخطأ الذي يصل لحد الخطيئة على الطرق ويمارس الألعاب البهلوانية  بشكل همجي، وكأن الطريق قد تم تخصيصه لشخص بعينه دون احترام الآخرين أو حتى خوفا على حياتهم أو حياة المخطئ نفسه.



الشباب يدخل في سباقات مميتة على طرق رئيسية ولا يجدون من يحاسبهم ولا حتى من ينظر إليهم نظرة رفض أو اعتراض، وبالتالي فهم يتمادون في غيهم لأنه لارادع لهم.


النقل الثقيل يجميع أنواعه يمرح على الطرق السريعة وغير السريعة بشكل همجي غير عابئ ولا مهتم بقوانين ولا تعليمات بتوقيت السير ولا السرعة المحددة ولا الحمولة المقدرة له.. ونظرة واحدة سريعة على طريق الأوتوستراد تكشف لنا الكثير من المآسي والفضائح بل البلطجة التي يمارسها سائقو النقل الثقيل والمقطورات التي لا أدري لماذا تسير حتى الآن على الطرق رغم قرارات منعها من السير، بعد أن تم منعها من جميع دول العالم، لأنها تتسبب في حوادث كثيرة قاتلة على كل الطرق.. إنها الأيدي المرتعشة التي نعاني منها على مدار السنوات الماضية.



حوادث الطرق ستستمر إلى الأبد مادامت سيارات الميكروباص تسير في الشوارع بسرعات قاتلة عكس الاتجاه، ودون مراعاة لأي قواعد او تعليمات أو حتى أخلاقيات.. حوادث الطرق ستستمر، ولن تنتهي طالما بقى سائقو الميكروباص بلطجية فوق النقد والمساءلة والعقاب، وطالما ترتكهم الدولة يمارسون جريمة قتل المصريين وإهانتهم بحجة أن هؤلاء يلطجية لا يجب الاقتراب منه.


وبعيدا عن نظرية المؤامرة فلو بحثنا عن أي كارثة وقعت يمكن أن نجد سائقا متهورا ارتكب خطأ بسيطا أو كسر على أتوبيس يحمل أطفالا فلم يجد سائقه، إلا أن ينحرف فينقلب وتقع الكارثة  أو يعبر مزلقانا دون أن يأخذ في حسبانه إشارة التوقف فتقع كارثة أخرى يروح ضحيتها عشرات الأطفال.



ورغم أن حالة الطرق في مصر ليست جيدة إلى الحد الذي يؤمن سير السيارات، إلا أن العنصر البشري هو العامل الرئيسي في وقوع الحوادث القاتلة لمن يقود السيارة ولمن حوله في الطريق.. فحادث سيارة لايؤذي مرتكبه فقط، بل يؤدي إلى حوادث أخرى على الطريق يسقط فيها العشرات ما بين قتيل وجريح.. حوادث الطرق ستستمر طالما سمحنا لصبية صغار أن يقودوا سيارات ذويهم أو سيارات الميكروباص التي ترتكب النسبة الأكبر من حوادث الطرق أو تتسبب فيها وتهرب دون أن يمسك بها أحد.



حوادث الطرق ستستمر طالما استمرت ظاهرة الوساطة في رفع العقوبة عن المخطئ .. فلا يوجد سائق تم سحب رخصته، إلا ويجد واسطة بطريق أو بآخر ليذهب للمرور نافخا أوداجه، لتعود إليه رخصته دون عقاب ولا حتى غرامة يدفعها لأنه سار عكس الاتجاه أو كسر إشارة مرور.. والقاعدة تقول إن من أمن العقاب أساء الأدب.. والنتيجة هي ما نعيشه من فوضى  وعبث بحياة المصريين على الطرق.. فالكل يعرف ويدرك أنه لن يجد عقوبة في انتظاره لو ارتكب مخالفة أو حتى حادث راح ضحيته الأبرياء، وبالتالي فالخطأ أمر طبيعي طالما لاتوجد عقوبة، وطالما أن البيه سواق الميكروباص يجد من يحميه من أي عقوبة حتى لو تعمد قتل الراكب عامدا متعمدا.


أذكر أني كنت في مأمورية في ليبيا قبل أحداث يناير بسنوات، ووجدت هناك مالم أتوقعه من نظام صارم في شوارع طرابلس العاصمة وفي شوارع مدينة "سبها" التي تقع في الجنوب .. فاحترام المرور هناك أمر أساسي ولو تصادف وحاولت أن تعبر الشارع من أي مكان فجميع السيارات تقف لك حتى تعبر الشارع في أمان.. أما إشارات المرور فلا يوجد عليها أي عساكر للمرور، بل إشارات ضوئية فقط والسيارات تلتزم بالإشارة الحمراء فتقف دون رقيب ولا حسيب.. وحتى لو كان الطريق خاليا فلا تمر سيارة واحدة والإشارة حمراء .. وأعود لأؤكد أن هذا كان يحدث في ليبيا وليس في أوربا.. ولذلك فحوادث الطرق هناك قليلة لأن الجميع يعرف أنه لو أخطأ سيحاسب.. طبعا هذا لايحدث الآن بعد فوضى الربيع العربي التي عمت المنطقة ودمرت ليبيا ضمن مخطط تخريب المنطقة العربية كلها.


خلاصة الكلام أن من أمن العقوبة أساء الأدب.. ومن أدرك أن رخصة القيادة ستعود إليه مع اعتذار رقيق من إدارة المرور لأنهم أخطأوا في حقه عندما سحبوا رخصته فسوف يخرج علينا في المرة التالية ليقطع الطريق بسيارته وهو يعلم، تمام العلم، أن أحدا لن يجرؤ على عقابه أو الاقتراب منه.


ولهذا ستسمر حوادث الطرق ولن تنتهي.. ولو كانت هناك إرادة حقيقية لمنع هذه الكوارث ووقف نزيف الدماء على الطرق فلابد من سياسة جديدة بقواعد جديدة وقوانين رادعة لاتعرف المجاملة ولا الوساطة ولا التهاون في حق الشعب الذي يدفع الثمن من دمائه بشكل أصبح يشكل ظاهرة طبيعية في الشوارع المصرية.


امنعوا الوساطة وطبقوا القوانين على الجميع بحزم وشدة، وساعتها فقط نوجه الاتهامات ونحدد الجناة والمخطئين في حق المواطن الغلبان الذي يدفع الثمن دائما، ثم يخرج السيد المسؤول ليؤكد أن كل شيء تحت السيطرة وكله تمام.