التوقيت السبت، 23 نوفمبر 2024
التوقيت 12:40 ص , بتوقيت القاهرة

اللحية والكوسة وغزو الفضاء (3)

تحدثنا في الجزئين الأول والثاني عن تلك القضية والآن نكمل.. نعود لحديث اللحية، والذي يضع سببا واضحا، خالفوا اليهود. أطلقوا اللحى وحفوا الشوارب. إذن مخالفة اليهود هي المقصودة.


تعالوا نقرأ أحاديث أخرى لنفس الوزن..
 قال رسول الله، (غيروا الشيب وخالفوا اليهود).. وفي مناسبة أخرى (صلوا في خفافكم وخالفوا اليهود)، الرسول عندما كان يرى رجلا أبيض الشعر كان يأمره بتغيير لون شعره ليبدو أكثر شبابا. فهل أمر الرسول للرجال بصبغ شعرها أمر ديني ملزم من يخالفه يعد آثما. أم أنه أمر دنيوي يتعلق بالعادات والتقاليد؟


أيضا، صلوا في خفافكم. الخف هو الحذاء، فأمرالرسول المباشر أن نصلي في الأحذية تخفيفا على الناس عن تشدد اليهود. وهكذا عاش الرسول يصلي في مسجده الشريف بحذائه سنوات عمره. هل تستطيع أن تصلي في حذائك الآن داخل المسجد كما فعل الرسول وكما أمر، أم أننا نصلي حفاة؟


ويثور السؤال، لماذا كان الرسول يريد مخالفة يهود المدينة في بعض مظاهر العبادة والحياة؟


أولا: لأن اليهود أهل تشدد وغلو وتنطع في الدين، فأنزل الله عليهم أحكاما دينية أكثر شدة عقابا لهم.. أيضا كان هذا من أجل التمييز الثقافي. أن يكون للمسلمين هوية مستقلة تحمي وجودهم من الانبهار والذوبان في غمار الحضارات والديانات المعاصرة.. اعتزاز الإنسان بثقافته المحلية. بعاداته وتقاليده، أمر مهم لتعزيز ثقته بنفسه وحمايته من الاحتلال والغزو.


الآن نحن نأكل شطائر الهامبرجر ونرتدي جينز ونشرب الكوكاكولا، لأننا نرى ذلك في الأفلام الأمريكية.. أمريكا تستخدم العولمة لتنميط العالم على النمط الأمريكي. فتختفي الهويات والثقافات والحدود، ويصير الكل ينفق العملة الأمريكية ويستهلك الثقافة والسلع الأمريكية.


الآن هل صار ما يميز بين المسلمين واليهود هو شكل لحيتهم وشاربهم أم العمل والإنتاج والتحضر. و200 جائزة نوبل لليهود الذين لا يتجاوزون 15 مليونا. مقابل 10 جوائز للمسلمين الذين يتجاوزون مليار ونصف. بنسبة يهودي واحد لكل 2000 مسلم (شيء مخزٍ).


ورغم ذلك فالنبي لم يكف عن التواصل الحضاري مع كل من حوله.. ولم يقم بقطيعة كاملة مع أهل الكتاب، بل كان يأخذ عنهم بعض التشريعات، ويتعلم منهم ويتوافق معهم في شؤون الدنيا.. كما جاء في البخاري أن الرسول كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه. وفي غزوة الأحزاب حفر الخندق عندما علم أن الفرس يفعلون ذلك. (ثقافة مجوسية وثنية).


وكاد أن ينهى عن الغيلة، وهو أن يطأ – يعاشر– الرجل زوجته المرضع، ظنا منه أن هذا يضعف الطفل والأم. لكن وصله خبر أن الروم تغيل ولا يؤذي هذا صبيانهم في شيء. فقلد الروم ( ثقافة مسيحية).


وفي الهجرة استعان بدلالة عبدالله بن أريقط الدؤلي وهو رجل كافر. وأمر زيد بن ثابت أن يتعلم السريانية لغة اليهود ليترجم له. بعد أن كان مترجمه المباشر لسنين عدة من اليهود.. وعندما سألوا أبو يوسف تلميذ أبي حنيفة لماذا تلبس نعلان مخصوفتان بالمسامير وإنها من ملابس اليهود.. قال كان رسول الله يلبس نعلين من الشَعر وإنها من ملابس الرهبان.


وبذلك تصير اللحية متعلقة بواقع معين. ظرف ثقافي وتاريخي خاص. العادات والأعراف وليس الدين والتشريع. وكان العربي القديم لا يعد رجلا إلا لو نبتت له لحية. وحجم رجولته يتوقف أحيانا على حجم لحيته. وأن تقطع أطرافه إربا أفضل له من أن تحلق لحيته.. تماما في وقتنا الحالي مثل من يحلق حواجبه. يصير مشهده شاذا مستغربا مثيرا للسخرية والاستهزاء. لذلك قال الرسول بالحفاظ على اللحية لحفظ كرامة الإنسان احتراما للعرف الذي عاشوا فيه.


الآن انعكست الآية وصارت اللحية الغليظة من ملامح التشويه والقبح والتنفير. تغيّرت نظرة الإنسان فيجب أن تتغير ظاهر الأحكام مع بقاء العلة والمقصد.. احترام الإنسان للعرف السائد.. وبهذا قال كبار فقهاء الإسلام المعاصرين مثل الشيخ العلامة محمد أبو زهرة والشيخ محمود شلتوت.
ونكمل في المرة القادمة ان شاء الله..