التوقيت الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024
التوقيت 05:28 ص , بتوقيت القاهرة

إعادة ترتيب المنطقة

إذا كنت لا تصدق أن أمريكا وإيران يمكنهما الاتفاق، فعليك مراجعة التحول في العلاقات الأمريكية الصينية في السبعينات. وإذا كنت تظن أن هناك مانعا دينيا بسبب فتاوى أية الله خميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران، بوصف أمريكا الشيطان الأكبر، فعليك أن تسأل وهل منع المذهب الوهابي السعودية من إقامة تحالف استراتيجي مع أمريكا على مر السنين؟


ومن شأن الاتفاق الإيراني الأمريكي إعادة ترتيب المنطقة بما يضمن مصالح الدولتين. بيد أن الاتفاق لم يكتمل وتفاهماته لم تتضح. وعلينا قبل تتبع فقراته أن نسأل عن الترتيب الذي نراه نحن المصريون للمنطقة؟ وأين تقع مصالحنا الوطنية بالضبط؟


التحدي في المنطقة الآن هو وجود عدة مستويات للصراع ليس فقط في سوريا والعراق، ولكن في ليبيا وتونس واليمن وفي مصر كذلك. هناك صراع بين رؤية لترتيب العالم نابعة مما يفهمه فصيل من الناس عن الدين، وهناك رؤية أخرى للغالبية من الناس ترى الدولة الوطنية أساس ترتيب المنطقة.


وهناك صراع آخذ في التنامي بين الطوائف خاصة السنة والشيعة على أرض سوريا بسبب شبه انهيار الدولة الوطنية. والآن يضرب هذا الصراع اليمن. وهناك صراع داخل الدول التي تم إنشاؤها على أساس اتفاقية "سايكس بيكو"، فبعضها تم تركيبها بدون مراعاة بأن الكثير من الحدود الجديدة يقسم الشعب الواحد وأحيانا القبيلة. كل هذه الصراعات وجدت متنفسا لها في البيئة التي نشبت عقب الثورات العربية وتلاشي سيطرة الدول التي كان معظمها تسلطي.


الصراعات في المنطقة اليوم تعكس اختلاف الرؤية حول الترتيب المثالي المستقبلي للمنطقة. القاسم الرئيسي للصراع يتمثل في سؤال، هل يجب ربط علاقات الدول بناء على مصالح الشعوب أم بناء على روابط الدين؟ الإجابة تختلف في كل معسكر. فهناك من يرفض الدولة الحديثة برمتها مثل الجماعة والقاعدة وداعش. رؤيتهم أن العالم يجب أن يكون خاضعا لدولة الإسلام ذات الخليفة الواحد. وهناك من يؤمن بالدولة الحديثة لكن بطابع ديني ويغلف مصالحه بكل ما هو إسلامي من أجل شرعنة المصالح، وفي هذا درجات تبدأ من تشدد السعودية إلى علمانية النظام التركي.


وهناك من يؤمن بسيادة الدول والمصالح المشتركة والعلاقات القائمة على عدم التداخل، وتأتي مصر على رأس هذا المعسكر. وهناك إيران الشيعية ومشروعها القائم على تفوق العنصر الفارسي بثقافته، ويرى تصدير فكره إلى الجوار. وفي التباين بين هذه الإجابات وجدت أمريكا ضالتها، واستطاعت أن تفرض رؤيتها لترتيب المنطقة على الأقل إلى الآن.


ما هي رؤية أمريكا؟


انظر حولك للمنطقة التي تتفكك. إنهم يريدون ترتيب يضمن مصالحهم ويضع أمن اسرائيل في المقام الأول. كيف؟ ضرب مشروع الدولة الحديثة بمشروع دولة الخلافة لفترة من الزمن، حتى يعاد تقسيم الدول بحسب الطوائف والأعراق والديانات. المهم أن تكون هذه الخريطة الجديدة قابلة لقبول شروط إسرائيل كحد أدنى وللتعايش السلمي فيما بينها كحد أقصى.


ولحين تحقيق ذلك سنشهد سياسة أمريكية مسيطرة في الشرق الأوسط بالإغواء مرة وبالقوة مرة إذا لزم الأمر. بيد أن أمريكا ليست اللاعب الوحيد في المنطقة، فهناك رؤية روسية وأخرى صينية والكل يتصارع لترتيب المنطقة بحسب مصالحه.


لا بد من رؤية مصرية تغلب هذا الواقع وتحول الكابوس إلى حُلم جميل. ولا أقصد بالكابوس ثورات العرب، وإنما استعمال أمريكا لها. الحرب الدائرة الآن مهما كان موقعك منها تدور بيد عربية في الأغلب إسلامية وعلى أرض عربية وبشباب عربي (وحتى الغربي معهم مسلم)، ويتم تمويلها بثروات العرب وضحاياها معظمهم من العرب وتستنذف موارد العرب.


يحدث كل هذا بسبب اختلاف الرؤية إلى حد الصراع حول ترتيب المنطقة المستقبلي بين رؤية مغلوطة  للموروث ورؤية حديثة لما هو كائن. يوما ما كانت القومية العربية هي رؤية مصر للمنطقة واستطاعت أن توقف تقدم المشروع الإسرائيلي. الآن يجب علينا البحث عن رؤية جديدة تعالج تناقضات المنطقة وتبني جسرا للمستقبل. لا بد من رؤية للمنطقة تغلب الواقع.