التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 02:01 م , بتوقيت القاهرة

المرأة ومجتمعاتنا العربية (3)

ذكرنا في مقال الأسبوع الماضي أن الموروث الشعبي يحمل الكثير من السلبيات تجاه المرأة، وأن حضارة مصر تعد من أقدم وأعرق حضارات العالم القديم اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، حيث كان للمرأة مقام ممتاز عند قدماء المصريين، فكانت المرأة تعقد العقود وتقوم بالأعمال التجارية، وتنهمك في الأمور السياسية وتتولى المناصب القيادية.


واليوم نستكمل حديثنا عن عظمة المرأة ومكانتها في مصر القديمة، حيث لم يكن من الغريب أن تتولى النساء في مصر الفرعونية مناصب راقية مثل: القاضيات والكاهنات والملكات، ومن النساء اللاتي تولين منصب الملكة في مصر الفرعونية: مرتين نبت، وهي حكمت مصر في أواخر الأسرة الأولى بعد اضطرابات سادت البلاد وأعادت النظام والأمن لمصر، وخنتكاوس، ولقبت بملكة مصر العليا والسفلى وهي من الأسرة الرابعة، وسبك نفرو، وحكمت 3 سنوات و10 شهور وهي من الأسرة الثانية عشرة، وحتشبسوت، وهي من  أشهر ملكات مصر وهي من الأسرة الثامنة عشر، وحكمت مصر 32 سنة، وأمحتب، حملت أعباء حكم البلاد بعد مقتل زوجها (سفن رع) ودفعت ابنها أحمس لطرد الهكسوس من مصر، وتي، وهي من عامة الشعب زوجة الملك امنحتب الثالث، وقد حاولت أن توفق بين ابنها إخناتون وبين كهنة معبد آمون، لكن إصرار اخناتون على عبادة الإله الواحد أدى إلى وقوع الصراع بين الجانبين.


وكانت المرأة  تصور جالسة إلى جوار زوجها دليل مساواتها به، "وكانت (آمحتب) أم أحمس الأول نموذجاً رائعاً للمرأة المصرية، حيث كانت زوجة للملك (سفن رع) وأسهمت في العمل كملكة شجاع مع زوجها، ومع ولديها منه كامس وأحمس خلال القرن السادس عشر قبل الميلاد.


وشاركت في المعارك البطولية لطرد الهكسوس المنتمين إلى شعوب آسيا الصغرى، حيث قاموا باحتلال مصر بعض الوقت، وعندما قتل زوجها في حرب التحرير وكان في الثلاثين من عمره، حلت محله في قيادة الجيش والشعب حتى يستمر القتال مع أعداء أبنائها، وقُتل ابنها كامس ولكنها لم تيأس وقالت لابنها الثاني: (أحمس يا ولدي لن يذهب حزني على أخيك إلا أن أرى الوطن العزيز حراً سعيداً، اذهب يابني ولا تتردد وسوف يساعدك الإله آمون لتحقق النصر).


وذهب أحمس وقاد المعركة الفاصلة التي حررت مصر، وبعد النصر قال مشيراً إلى أمجاد والدته: ( أم وزوجة ومواطنة أمي، الحاذقة الفاخرة، التي تقود الجماهير، إنها زوجة ملك وأخت ملك وابنة ملك وأم ملك، إنها السيدة التي تهتم وتضطلع بشئون مصر وهي التي حشدت الجيش ورعت مهاجري الحرب، وأخضعت العصاة)، وكانت ملكات مصر يتمتعن بالمزايا التي يتمتع بها الملوك فقط منذ الأسرة السادسة (2325-2125)ق.م، ومنهن أيضاً الملكة نفرتيتي زوجة اخناتون، ونفرتاري زوجة رمسيس الثاني (1290-1224) ق.م، الأسرة التاسعة عشر، وقد ساعدت زوجها في حملاته ضد أعداء مصر.


 والتاريخ المصري لا يمكن أن ينسى حتشبسوت الملكة التي قادت مصر إذ "كانت أعظم امرأة حكمتها، وقد دام حكمها اثنين وعشرين عاماً اهتمت خلالها بترقية الزراعة والصناعة والتجارة، وبنت اسطولاً عظيماً، ومعبداً كبيراً، ومسلتين إحداهما موجودة الآن في لندن على ضفاف نهر التيميز.


وكان جميع المصريين يحترمونها أعظم احترام، والذي يدرس شخصية الملكة المصرية العظيمة حتشبسوت يدرك قوة المرأة المصرية النابعة من شخصيتها، وذكائها، وقدرتها على القيادة والحكم، ولهذا ظهرت تماثيلها على شكل أبي الهول، له رأس إنسان وجسد أسد رمزاً للعقل والقوة معاً، وكان عصرها يتميز بالازدهار، والتعمير، وأثبتت كفاءتها كحاكمة وملكة أكثر من ملوك كثيرين.


وقد خلفها تحتمس الثالث وأمر بتدمير تماثيلها، وتشويه رسومها، وكأنما أراد أن يمحو من التاريخ السنوات الاثنين والعشرين (1504-1483) ق.م التي حكمتها حتشبسوت، وتقول الدكتورة نوال السعداوي في كتابها "الأنثى هي الأصل" في معرض حديثها عما فعله تحتمس "ويمثل تحتمس بوضوح انتقام الرجل من المرأة بسبب تفوقها وذكائها وقوتها، وكما حاول تحتمس ذلك حاول من بعده رجال كثيرون تشويه حقيقة المرأة، وإنكار ذكائها وقوتها، فلاتزال هذه الروح العدائية باقية حتى يومنا هذا عند بعض الرجال الذين يهاجمون المرأة وحريتها وملابسها".


هذه كانت مصر الحضارة والتاريخ، ولقد تذكرت عظمة مصر الفرعونية وأنا أطالع بتعجب وحسرة الصحف الصادرة يوم 26 فبراير 2015 ،  حيث نشرت الصحف صور كارنيهات لعضوات حزب النور السلفي بغير رؤوس أو وجوه، وكان  المانشيت الرئيسي يقول: "سمح حزب النور السلفي لأول مرة لعضواته بالحصول على كارنيهات عضوية ولكن مكان رأس المرأة مساحة خالية"!!


 ألا يستدعي كل هذا أن نسأل أنفسنا بشجاعة إلى أي منحدر وصلنا اليوم؟  لقد كانت المرأة في مصر الفرعونية ملكة وقاضية وكاهنة، واليوم في القرن الحادي والعشرين توضع صورتها على كارنيه حزب سياسي وهي مقطوعة الرأس !!