التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 05:05 م , بتوقيت القاهرة

بعد "ليلة سقوط بغداد".. جرح "الرافدين" لا يزال ينزف

12 عاما مروا الآن على بداية الغزو الأمريكي للعراق، الاحتلال الذي لا تزال آثار تدميره بلاد الرافدين باقية حتى الآن، يشهدها كل من يرى جماعات العنف والتطرف تعيث في البلاد قتلا وخرابا وتفجيرا، ومن يرى اقتصادها يهوي إلى أدنى درجة، ويسمع بكاء الأطفال وصراخ الزوجات والأمهات مستمرا على القتلى والجرحي كل يوم.



أعوام عانى خلالها الشعب العراقي الأمرين، فما بين احتلال أجنبي إلى عمليات إرهابية داخلية وتنظيمات مسلحة يقف العراق متحسرا على حضارة عريقة صنعها منذ آلاف السنوات، ليكتب لها أن يمحى معظمها في غمضة عين، هذه هي مشاهد الحياة اليومية للعراقيين الآن.


ليلة سقوط بغداد


في الساعة الخامسة ونصف فجرا بتوقيت العراق، من يوم 20 مارس 2003، سُمع دوي انفجارات هزت بغداد، وبعد 45 دقيقة صرح الرئيس الأمريكي آنذاك، جورج بوش، بأنه أصدر أوامره لتوجيه "ضربة الفرصة"، التي استهدفت منزلا كان يعتقد أن صدام حسين موجودًا فيه، ثم تبع ذلك اجتياح من جهة الكويت.


سبق الغزو الأمريكى عدة تطورات، كان أهمها تصنيف أمريكا العراق ضمن دول "محور الشر"، جنبا إلى جنب مع إيران وكوريا الشمالية، بدعوى وجود أسلحة دمار شامل بها، تبعتها عدة محاولات مستميتة لكسب تأييد عالمى لضرب بغداد، ثم صدور قرار الأمم المتحدة رقم 1441، الذي دعا إلى عودة لجان التفتيش عن الأسلحة إلى العراق، محملا البلاد عواقبا وخيمة حال رفضها التعاون.


في التاسع من إبريل في نفس العام سقطت بغداد فى أيدى جيش الغزو الأميركي، وتم تعيين بول بريمر حاكما عسكريا للعراق، وفي الثاني والعشرين من يوليو قُتل ابنا صدام حسين، عدي وقصي، في معركة مع القوات الأميركية في الموصل، واعتقل الرئيس العراقي الأسبق على يد الجيش الأمريكي في نهاية عام 2003، اقتيد بعدها إلى السجن.



بداية العنف


بعد سقوط بغداد بدأت عمليات سلب ونهب واسعة النطاق، شاهدها العالم كله عبر شاشات التلفاز، واهتم جيش الاحتلال الأمريكي بحماية مباني وزارتي النفط والداخلية والمخابرات العراقية، وبقيت المؤسسات الأخرى مثل البنوك، ومخازن الأسلحة، والمنشآت النووية، والمستشفيات، دون أي حماية، وأرجع قيادات الجيش الأمريكي ذلك إلى عدم توفر العدد الكافي من جنودها لحماية المواقع الأخرى.


ما ترك جروحا عميقة في ذاكرة العراقيين سرقة المتحف الوطني العراقي، حيث استولى اللصوص على 170 ألف قطعة أثرية منه، كما تمت سرقة آلاف الأطنان من الذخيرة الحربية من معسكرات الجيش العراقي، وسرقة مركز للأبحاث النووية، كان يحتوي على 100 طن من اليورانيوم، الذي نقلته شاحنات إلى جهات مجهولة.



مخطط بريمر 91


أصدر الحاكم العسكري، بول بريمر، قرارا بحل الجيش العراقي، لتنجح بذلك الولايات المتحدة في دفن 82 عاما من العسكرية العراقية، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه، لعشرات الميليشيات التي نشأت في العراق منذ عام 2003 للعبث في البلاد.


وكان من أهم هذه الميليشيات، عصائب أهل الحق، وميليشيا حزب الله في العراق، وجيش المهدي، وجرى إنشاء فصائل جديدة منه مؤخرا تحت اسم "سرايا السلام"، إضافة إلى ميليشيات فيلق بدر، وغالبا ما كان إنشاء هذه الميليشيات وتدريبها وتسليحها، مرتبطا بالتنسيق المباشر مع أجهزة الأمن العراقية.


ففي بداية الاحتلال قرر الحاكم الأميركي دمج عناصر هذه الميليشيات في الكيان الجديد الذي أنشأه، وأسماه "الجيش العراقي الجديد"، لكن ولاء هذه العناصر بقي للميليشيات التي تتبع لها، والتي بقيت هياكلها وأعمالها قائمة ولم يستطع الجيش الجديد صهرها ضمن مؤسسة تمكنهم من الولاء للوطن من خلالها.



منذ ذلك الوقت، تتسبب هذه الميليشيات في أزمات لا حصر لها، ولطالما ارتكبت جرائم قتل منظمة ضد مواطنين عراقيين بسبب انتماءاتهم الحزبية أو الطائفية. وتعاظم نشاط هذه الميليشيات في ظل حكومة نوري المالكي، الذي وضع مركز جنيف الدولي انتهاكاته في خانة جرائم "الإبادة الجماعية"، وظل يتعاظم مع خروجه من رئاسة الوزراء، ومجيء رئيس وزراء جديد.


أعوام من العنف الطائفي


بعد اختفاء الجيش العراقي من ساحة المشهد السياسي، وتولي نوري المالكي رئاسة الوزراء عام 2006، وشهدت العراق جانيا واضحا من العنف  في عهده نتيجة حملة تفجيرات سنية كبيرة، تستهدف الواقع السياسي الذي يهيمن عليه الشيعة.


فمنذ عام 2006، عندما كان العراق تحت الاحتلال الأمريكي وغارقا  في التوتر الطائفي، كان العنف يجري بنحو رئيسي بسبب انقسامات داخلية، وبعد انسحاب القوات الاميركية في 2011، كانت الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة بقيادة المالكي عاجزة عن وقف القتل، وتركزت معظم التفجيرات في بغداد وضواحيها، ما تسبب في مقتل المئات، رفعتها تقارير عالمية إلى الآلاف.


جراح "الرافدين" لا تزال تنزف 


استمر نشاط الميليشيات في العراق، وحدثت عشرات العمليات الإرهابية التي استهدفت الأبرياء منذ الغزو وحتى يومنا هذا، وهو ما أسفر -خلال عام 2014 فقط- عن مقتل أكثر من 15 ألف شخص وإصابة أكثر من 22 ألفا آخرين، بحسب إحصائيات وزارات الدفاع والصحة والداخلية العراقية.



"داعش".. صداع جديد
جاء ظهور تنظيم "داعش" ليزيد الطين بلة، حيث شهد العام الماضي هجوما كاسحا لتنظيم الدولة، سيطر خلاله عناصر التنظيم الإرهابي على مساحات واسعة في شمال البلاد وغربها، إضافة إلى حدوث تفجيرات شبه يومية في مدن البلاد، ولا سيما في العاصمة بغداد.


وتعد حصيلة ضحايا 2014 على يد "داعش"، أعلى رقم للضحايا في بلاد الرافدين، منذ عام 2007 عندما كان العراق غارقا في الحرب الطائفية، حيث سجلت حينها مقتل 17 ألفا و956 شخصا، إلى جانب إصابة أكثر من 21 ألفا آخرين.