التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 06:07 م , بتوقيت القاهرة

متى تتغير معادلات الحكم في مصر ؟

لاشك أن الدولة المصرية تعرّضت في الأربعة أعوام السابقة لأخطر المراحل، ربما في تاريخها الحديث، مثلت فيها تجربة الإخوان في الحكم انقلابا على الثوابت التي حكمت واقعنا.


لم تكن الجماعة معارضة للحكم من داخل الدولة، بل حاولت أن تكون بديلا لها بعدما أبدت قبولا زائفا بمؤسساتها، التي لا ينكر أحد أن بعضها يحتاج إلى إصلاح هيكلي.


حرص الإخوان منذ نشأتهم على إضعاف الدولة وإنهاء دور المعارضة، أو على الأقل التوافق مع كل نظام أن تلعب الجماعة دور الحية الكبيرة، التي تلتهم الحبال والعصي التي تلقيها المعارضة حتى تبقى هي المعارضة الأكثر جدية وقوة في مواجهة النظام الحاكم.


لعبت الجماعة هذا الدور مع الملك فاروق، فتحالفت معه ضد الوفد حزب الشعب الذي كان يمثل إرادة الأمة، فأضعفته وفرغت طاقة فريق من الفاعلين في اتجاه بعيد عن فكرة الدولة الوطنية لحساب الأممية الإسلامية، سعت لاختراق كل الأحزاب وإضعافها من الداخل، بدعوى أن الحزبية تفرق الأمة، بينما دعوة الجماعة توحد الأمة ! وهي التي وضعت أول معول في بناء الدولة الوطنية الناشئة، يوم تحالف الإخوان مع إسماعيل صدقي عدو الشعب، الذي عطل الدستور وقطع طريق الديمقراطية الناشئة في مصر.


وظلت الجماعة تلعب هذا الدور حتى ثورة يوليو التي حاولت أن تمارس لونا بغيضا من ألوان الوصاية عليها، وتظهر مشروع الثورة لحسابها، لكن قيادات وطنية كانت منتبهة فلم تسمح للجماعة أن تصادر الثورة لحسابها، لكن ما نجحت الجماعة فيه هو خلق معركة ممتدة بين نظام الحكم وأي معارضة، حتى لو كانت غير إخوانية، بعدما سعت لتكريس نفسها باعتبارها حركة المعارضة الوحيدة التي تعاند طموحات الشعب واختياراته، ومن ثم غضت الجماعة الطرف عن حل الأحزاب في العام 1953، بعدما تم استثناء الجماعة، التي تصورت أن ذلك يخلي الساحة لها لتكون القوة الوحيدة القادرة على أن ترث الحكم.


ارتضت المعارضة المصرية أن تصطف إلى جانب النظام السياسي الجديد، بدعوى ألا تتهم بأنها تصطف مع جماعة الإخوان في مشروعها لتدمير الدولة، وإن تحفظت بعض قوى المعارضة على توجهات واختيارات النظام، لكن التناقض الذي مثلته الجماعة لحساب أهداف غير وطنية جعل المعارضة مضطرة إما إلى الانسحاب من المشهد حتى لا تكون جزءا من هذه الحرب، وإما مضطرة أن تشارك ضمن البنيان السياسي المركزي أو التنظيم السياسي الواحد، الذي مثل محاولة لحماية الثورة والدولة الجديدة مثل هيئة التحرير الذى تحول إلى التنظيم القومى ثم الاتحاد الاشتراكي.


وعندما رحل عبد الناصر بما يمثله مشروعه، وجاء السادات الذي نسخ مسار عبد الناصر،  فأسس ما يسمى المنابر يمين ويسار ووسط التي تطورت إلى تعددية مقيدة بعدها، ليحاول صناعة معارضة على مقاس طموحاته، لكن تلك المعارضة تطورت ووصلت إلى ذروتها بمظاهرات يناير 1977، التي قادتها المعارضة اليسارية بالأساس، والتي لم يشارك الإخوان بها نظرا لتوجهاتهم الرأسمالية من جهة ،وتوافقاتهم مع نظام السادات من جهة أخرى، وهو الذى اعطاهم قبلة الحياة بعد رحيل عبد الناصر.


بمقتل السادات ومجيء مبارك كانت معادلة الحكم في مصر قد استقرت، إلى قوى اليسار التي لم تخرج من حدود العاصمة، وقوى اليمين الديني التي تمددت تنظيميا في انتظار لحظة الصعود، قوى الليبرالية والقومية التي عبرت عن ظواهر صوتية أكثر من تعبيرها عن تجلي سياسي حقيقي، بعدما نجح مبارك في تكبير فزاعة الإخوان في مواجهة المعارضة، ليصادر ساحة العمل السياسي بالكلية من خلال جهاز أمني قوي تمدد على كافة أوجه الحياة في مصر، بالشكل الذي صنع 25 يناير التي أشرت لانفتاح قد يسمح ببروز قوى سياسية جديدة تعكس الأوزان الحقيقية للقوى الاجتماعية في المجتمع المصري.


لكن الثورة نتيجة التشوه السياسي لم تسمح بأكثر من تحول الكيانات السرية المنظمة لأحزاب، كجماعة الإخوان والدعوة السلفية، بينما الأحزاب التي تعودت أن تعمل في النور لم تقفز على هذا الواقع، لتصنع تجربة سياسية لافتة وتفرض وجودها، وساهم بقاء الشباب في دائرة الاحتجاج حتى بعد انتهاء مشهد الثورة، في غياب المكون الرئيس في حركة التغيير عن ساحة التدافع السياسي، بما أسفر عن بقاء معادلة التنافس السياسي بين نفس اللاعبين القدامى، وهو مالم يسعى أحد حتى الآن لتغييره .