التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 02:54 م , بتوقيت القاهرة

د. أميرة أبو طالب: حواء لم تخرجنا من الجنة

لا تخدعي نفسك فتظني أن ما يحدث مع د. أميرة أبو طالب، زوجة محافظ الإسكندرية، مجرد انشغال بأهمية الفصل بين الحياة الشخصية والعامة. لا أشكك في حسن نية من أثاروا الموضوع في الصحافة، فرؤية زوجة المحافظ إلى جواره سؤال صحفي معتبر يجب أن يجاب عنه. لكن ينبغي أن نحدد السؤال. أن نعرف أين المخالفة ونتقدم بشكوى ضدها. 

لكنني هنا أشير إلى المبالغة، إلى محاولة التصيد، إلى فتح المواضيع وتركها مفتوحة على طريقة إشاعة رائجة أقوى من حقيقة لا يسأل عنها أحد، إلى استغلال الموضوع للإيحاء بأن المرأة مكانها البيت، أو الإيحاء بأن المرأة المستقلة رابع المستحيلات، أنها أسطورة، إلى الرغبة في استخدام ما أشيع عن تدخل السيدة سوزان مبارك في شؤون البلاد لكسر رجل النساء من بعدها.

كل امرأة نشطة مجتمعيا صارت "نساء سوزان"، كل مجلس يحاول تقوية المرأة "مجالس سوزان". لدرجة أنني لم أعد أرى السيدة الأولى في أي زيارة مع رئيس الجمهورية. ليس هذا جيدا، ولا يرسل رسالة إيجابية إلى ملايين البنات الصغيرات اللاتي يتطلعن إلى رؤية نساء قويات موجودات في كل مكان، وليس إلى مجتمع يبارك إقصاء المرأة عن "أمور الرجال"، على أساس أن شؤون الحكم من "أمور الرجال". لقد حدث هذا من قبل مع السيدة جيهان السادات. سيتفق الناس ويختلفون حول السيدات الأول، لكن سيبقى إرثهن، التشريعات التي دعمتها لتقوية المرأة، ومشاريع القراءة والتوعية التي وقفت خلفها، والأمراض التي نجحنا في القضاء عليها لأنها وضعت ثقلها السياسي لدعمها. 

آثرت أن أعلق عن هذا الموضوع في اليوم العالمي للمرأة. لأننا نعيش في مجتمع لا يزال "المحتفون" بالمرأة فيه، محتفين بها بسبب موقعها من شخص ثان، محتفين بها كزوجة أو كأم. لم يدرك المجتمع حتى الآن تلك الحقيقة البسيطة، أنها كائنة أخرى مستقلة بذاتها، لها أحلامها ككائنة حية، لا ترتبط بالضرورة بطموحات زوجها ولا أبنائها. لا أنفي هذا الدور، لكنه دور من ضمن أدوار، يشبه دور الرجل تجاه أبنائه (على اختلاف الوسائل)، ودور الرجل نحو شريكته، إلخ. لكن المرأة أكبر من ذلك كثيرا. لها حياتها قبل الزواج، وبعد الزواج، ومع الزواج، ومن دون زواج لو قررت هذا. ولها حياتها قبل الأبناء، وحين يكبر الأبناء، وبعد أن يستقل عنها الأبناء، ومن دون أبناء لو قررت ذلك. ولها حياتها في عملها بعيدا عن البيت. وفي علاقاتها المجتمعية المتشعبة والمتداخلة. وفي احتكاكها اليومي بغيرها من المواطنين. حياة كاملة. إن لم تكن أكثر ثراء بحكم تنوع الأدوار والمواقع، فعلى الأقل على قدر المساواة مع الرجل. 

أما محتقرو النساء، وإن ادعوا تكريمها، فدرجات. تبدأ مما أشرت إليه سابقا، بحصرها في وظيفتها "الغريزية" كأم وزوجة. ولا تنتهي عند تحميلها اللوم على كل كارثة، ومعاملتها كمجرمة، ليس فقط وهي بريئة، بل وهي ضحية أيضا. وتصيد "أخطاء" الأفراد لمحاسبة "جنس النساء" عليها. لو عممنا نفس الطريقة على الجميع لكنا الآن نطارد الرجال في كهوف الجبال، أو نحبسهم فيها.

مصر، وأي دولة أخرى، لن تتقدم إن كان نصف سكانها يشعرون بالاستبعاد. يظن أناس أن الدول المتقدمة، لأنها متقدمة، قررت أن تحسن ملف النساء. بينما الحقيقة أن النساء كن سببا في تقدم هذه الدول. 

في العمق من هذا اعتقاد بأنها هي السبب في الخطيئة الأصلية، بالإضافة إلى مجموعة من الشائعات والخرافات عن نزاهة أحكامها وقدرتها على تذكر التفاصيل (يا للعجب!) وعن أهليتها للشهادة وأحقيتها بمال أبيها وأمها.