التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 08:15 ص , بتوقيت القاهرة

أربعة مصادر جعلت ابن تيمية "شيخ المتطرفين"

في معارك التتار اعتمدوا على أخذ مجموعة من المسلمين ووضعوهم في بداية الجيش حتى إذا قرر المسلمون ضرب السهام قتلوا إخوانهم، فيما يعرف باسم "التترس".

وقتها لم يتردد ابن تيمية في إصدار فتوى بجواز قتل المسلمين "المتترس بهم"، فقال "متى لم يمكن دفع الضرر عن المسلمين إلا بما يفضي إلى قتل أولئك المتترس بهم جاز ذلك".

هذه الفتوى وغيرها من الفتاوى لا تغيب عن فيديوهات الجماعات الإرهابية، وفي مقدمتها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، لأنها تعتبر أن ابن تيمية "شيخ الإسلام"، والمرجع الأهم لمعتقدات الدين، ويستغلون أفكاره كسند شرعي لكل أفعالهم.

ابن تيمية ليس بريئا من هذه الأفكار، لكن لماذا ترجع كل الأفكار التكفيرية والإرهابية إلى ابن تيمية؟، وما الظرف التاريخي والمنابع الفكرية التي استقى منها ابن تيمية أفكاره وفتاويه.

سنلقي الضوء على أربعة محاور وهي: علاقته ببيئته، والحشوية، والكرامية، وعلاقته بالمذهب الحنبلي، وهذه المحاور بعضها ينكرها أنصاره وبعضها ينكرها أعداؤه، لكن هذا مجمل ما قيل عن خلفيته ومنابع أفكاره.

ابن بيئته

جاء ابن تيمية في عصر امتداد الدولة التتارية، وهجومها على المنطقة الإسلامية، وسقوط الخلافة الإسلامية بسقوط الدولة العباسية في بغداد، فكانت فتاويه رد فعل عنيف، على تصرفات التتار.

رأى أن قتل المسلمين الموجودين مع التتار هو شيء طبيعي حماية لأرواح المسلمين الآخرين، فقال صراحة "وإذا رأيتموني والمصحف على رأسي في ذلك الجانب (مع التتار) فاقتلوني"، أورده ابن كثير في البداية والنهاية.

واعتبر أن التتار يتعاملون مع المسلمين بوحشية، فلذلك عندما استفتاه قوم عن جواز قتل الأسير فتح الباب لقتله، فقال "فإن الإمام إذا خير في الأسرى بين القتل والاسترقاق والمن والفداء، فعليه أن يختار الأصلح للمسلمين فيكون مصيبا في اجتهاده حاكما بحكم الله ويكون له أجران، وقد لا يصيبه فيثاب على استفراغ وسعه ولا يأثم بعجزه عن معرفة المصلحة".

وأجاز التمثيل مع أن النبي نهى عنه "ولو بالكلب العقور"، فقال "فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي التَّمْثِيلِ الشَّائِعِ دُعَاءٌ لَهُمْ إلَى الإِيمَانِ, أَوْ زَجْرٌ لَهُمْ عَنْ الْعُدْوَانِ, فَإِنَّهُ هُنَا مِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ، وَالْجِهَادِ الْمَشْرُوعِ".

غلاة الحنابلة

يرى البعض أن ابن تيمية هو أحد علماء المذهب الحنبلي، ويرونه الامتداد الطبيعي لفكر ابن حنبل، لكن الدكتور محمد أبو زهرة في كتابه "ابن حنبل" يقول "وجدنا بعض كتاب الأثر يقول: (رجلان صالحان بليا بأصحاب سوء جعفر بن محمد، وأحمد بن حنبل) أما جعفر بن محمد فهو جعفر الصادق بن محمد الباقر من أئمة الشيعة ونسبت إليه أقوال كثيرة دونت في فقه الإمامية.

وأما ابن حنبل فقد نسب إليه بعض الحنابلة آراء في العقائد، وإن هذا بلا شك يثير بعض الريب في مقدار نسبة الفقه الحنبلي إلى أحمد، أو على الأقل في بعض هذا الفقه، لأنه إذا جرى الشك في صدق الراوي كان ذلك طعنا في صحة المروي".

وإن كان ابن حنبل بريء من أفكار التشدد التي أتى بها ابن تيمية، وقد خالفه فى كثير من المسائل، فإن غلاة الحنابلة، هم منابع فكر ابن تيمية، ففى عام 323هـ أثاروا فتنة قال عنها ابن الأثير في كتابه "الكامل": "عظم أمر الحنابلة، وقويت شوكتهم، وصاروا يكبسون دور القواد والعامة، وإن وجدوا نبيذا أراقوه، وإن وجدوا مغنية ضربوها وكسروا آلة الغناء.

وأضاف "واعترضوا فى البيع والشراء، ومشى الرجال مع النساء والصبيان، فإن رأوا ذلك سألوه عن الذي معه من هو؟ فأخبرهم، وإلا ضربوه، وحملوه إلى صاحب الشرطة وشهدوا عليه بالفاحشة، فأرهجوا بغداد فركب بدر الخرشنى وهو صاحب الشرطة عاشر جمادي الآخرة، ونادى في جانبى بغداد في أصحاب أبي محمد البر بهاوى: الحنابلة لا يجتمع منهم اثنان، ولا يناظرون فى مذهبهم، ولا يصلي معهم إمام إلا إذا جهر بـ"بسم الله الرحمن الرحيم" في صلاة الصبح والعشاء فلم يفد فيهم، وزاد شرهم وفتنتهم".

ومن النص السابق يتضح أن ابن تيمية استند على تصرفات غلاة المذهب الحنبلي، فهذا النص يؤكد أنهم كانوا يقومون بما يسمى اليوم عند التيارات المتطرفة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وهو ما يفعلونه فى العراق والشام وغيرها.

الحشوية

حسب ما أورد الدكتور خضر محمد نبها في صحيفة الراكوبة السودانية فى نوفمبر 2011، فإن ابن تيمية على علاقة وثيقة بالفرقة الحشوية، والحشويون هم الأعراب المتأثرون بأحبار اليهود والمسيحيين الذين أظهروا الإسلام في عهد الخلفاء الراشدين فاستعانوا بعلمهم على فهم الكتاب والسنة، فلما أتوا مجلس الحسن البصري وتكلموا معه أمر بردهم إلى حشا الحلقة أي طرفها حتى لا يحدثوا فتنة بين طلاب العلم ومن المعلوم أن مجلسه كان يحضره نبلاء أهل العلم ولذلك سموا بالحشوية.

وبحسب بحث "السّلفية الحشوية بين المصطلح والواقع" لنبها، فإن الحشوية كان لها ثلاث فترات قوة، أولها في القرن الرابع الهجري، على يد بعض اتباع الإمام أحمد بن حنبل، وهم الحشوية الحنبلية، والثانية: في القرن السابع الهجري، على يد ابن تيمية حيث أيقظها، وبثّ من خلالها الفتنة والتكفير، والثالثة في القرن الثاني عشر الهجري على يد محمد بن عبد الوهاب، في نجد.

وأضاف نبها أن "ابن تيمية أيقظ الحشوية من نومها، فأعلن "الحشو" كالتشبيه والتجسيم، وأشعل الفتن، فقضى على طائفة من المسلمين في جبل لبنان بفتواه الشهيرة، ومات (ابن تيمية) في السجن لكثرة اعتراضاته ومخالفاته.

الكرامية

قال أحد أنصار ابن تيمية، وهو الشيخ عبد الله الغصن في كتابه "دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام"، أن خصوم ابن تيمية يرونه حمل لواء المذهب الكرامي، نصيرا ومؤيدا حيث ذكر ذلك أحدهم بقوله: (لم تمت الكرامية.. لقد عاشت الكرامية بعد موت مؤسسها... ثم احتضنها عالم سلفي متأخر، وهو تقي الدين بن تيمية)".

وفرقة الكرَّاميَّة هي فرقة ظهرت في النصف الأول من القرن الثالث الهجري، تنسب إلى مؤسسها محمد بن كرام السجستاني، وتتميز بقولها أن هو القول باللسان دون المعرفة بالقلب، فمن نطق بلسانه ولم يعترف بقبله فهو مؤمن.

امتزجت هذه المنابع والظروف الأربعة في ابن تيمية، إضافة إلى انكسار الدولة العباسية بما فيها من مراكز علمية ومكتبات، فأصبح ابن تيمية إماما للإرهابيين، خرجت من تحت أفكاره وفتاويه كل الجماعات المتطرفة والإرهابية، وأصبح شيخ إسلامهم الذين لا يخرجون عنه قيد أنملة... إلا إذا أرادوا تطوير أساليب الإرهاب لتناسب العصر.