هل نعى الحريري الحوار مع حزب الله؟
كاد رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، أن ينعي الحوار مع حزب الله في معرض تأكيده على تمسكه به "كحاجة إسلامية وضرورة وطنية" في لبنان. كاد أن "يرفع العشرة" بشأن الحوار، في "الذكرى-عشرة" لاغتيال والده رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وهو يتعهد بالجدية والصدق في سلوك دربه الصعبة.
لم يكشف الحريري سراً حين صارح اللبنانيين أنه دخل في الحوار مع حزب الله "من أجل حماية لبنان، لأن لبنان أهم منا ومنهم". وكي لا يبقى عنوان حماية لبنان بغير تحديد.
أكمل الحريري: "في نظرنا أن لبنان أمام خطرين كبيرين: خطر على البلد، وهو الاحتقان السنّي الشيعي، وخطر على الدولة، وهو غياب رئيس للجمهورية بفعل انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان وعدم تمكن البرلمان من انتخاب خلف له".
لكنه ما لبث أن استطرد في عرض وقائع من شأنها أن تنعي، او تمهد لنعي الحوار ووضع كرة النعي عند حزب الله نفسه.
كشف الحريري للبنانيين بالوقائع ما يحسونه حيال موقف حزب الله من الفراغ الرئاسي، وهو أن "الجماعة مش مستعجلين"، وأن "موقفهم عملياً يعني تأجيل الكلام في الموضوع". أي أنه، حتى الآن، لا رئاسة في المدى المنظور. بل لا كلام في الرئاسة خارج دائرة تسجيل المواقف المبدئية، لأن الكلام مؤجل!
ثم انتقل الحريري، بالصراحة والوضوح نفسيهما، لتفصيل وقائع المرتكز الثاني للحوار وهو موضوع الاحتقان السنّي الشيعي، محددا له أربعة أسباب رئيسية:
أولاً: رفض حزب الله تسليم المتهمين بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
ثانياً: مشاركة حزب الله في الحرب السورية.
ثالثاً: توزيع السلاح تحت تسمية سرايا المقاومة.
رابعاً: شعور باقي اللبنانيين بأن هناك مناطق وأشخاصا وفئات لا ينطبق عليهم لا خطة أمنية ولا دولة ولا قانون. العارفون بتفاصيل جلسات الحوار مع حزب الله يدركون أن العناوين هذه طرحت منذ الجلسة الأولى في 23 ديسمبر الماضي، وظلت تطرح في كل الجلسات التالية.
لم يمنع طرحها كل الكلام الدعائي أن المحكمة والسلاح والحرب في سوريا ليسوا على جدول الأعمال. فالاحتقان السني الشيعي ليس نتيجة "قلة المسايرة" بين حزب الله وتيار المستقبل كي يُنَفَّس هذا الاحتقان بجلسات سمر بين الفريقين. بل هو وليد خيارات سياسية وأمنية لحزب الله في لبنان والمنطقة فرضت نفسها ونتائجها على البلد وناسه، وكان من الطبيعي أن تفرض نفسها على أي حوار بين الطرفين، مهما بالغ راعي الحوار، رئيس مجلس النواب نبيه بري في اللياقات ولعبة التسميات، من باب حرصه على حماية مناخ الحوار.
لم يشأ الحريري أن يغرق الحوار في لعبة شد حبال قبل انطلاقه بدخول منطقة الشروط المسبقة. قبل الحوار بلا شروط، وأعطى اسماً حركيا لكل شروطه هو "تخفيف الاحتقان السني الشيعي". فهذا حوار، كما يقول أحد المخضرمين، "شروطه منه وفيه". أي أنه حوار لا يقوم ولا يستمر إلا بالتطرق لهذه العناوين، التي من الواضح أن أي تقدم لم يحصل بشأنها حتى الآن، خارج إطار إعادة تأكيد كل طرف على مواقفه المعروفة منها.
ليس واردا أن يغير حزب الله موقفه من مسألة تسليم المتهمين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
ليس وارداً ان ينسحب حزب الله من الحرب السورية لأي سبب لبناني. وإنْ أعاد انتشاره في أي زمن قريب، فسيكون ذلك لأسباب تقررها الجهة التي أصدرت أوامر الدخول إلى الحرب، ولحسابات تتصل بأهداف الحرب نفسها، التي لن تتوقف عن تغذية الاحتقان أكان بالعسكر أو بغيره، وهو ما يدركه الحريري قبل غيره.
ليس واردا أن يقدم حزب الله على أي معالجة جادة لمسألة سرايا المقاومة. بل أنه حاول على طاولة الحوار تكريس معادلة أن السرايا مكون عضوي في جسم المقاومة وقوبل بالرفض الأكيد الذي كرسه الحريري في خطابه.
أما المساواة أمام القانون فهي ذروة الترف الذي يطيحه الاستعصاء الأول. فليس تجار السيارات المسروقة أو المخدرات هم مصدر الاختلال الأهلي في البلاد، بل حماية عناصر حزب الله المتهمة بقتل الحريري الأب، وكوادر ماكينة القتل التي لم تتوقف عن جز الرقاب منذ خريف العام 2004.
بشفافية وهدوء قال الحريري إن هدفي الحوار، أي انتخاب رئيس للجمهورية وتنفيس الاحتقان المذهبي، لم يقعلا وربما لن يقلعا، لأسباب تتصل بحزب الله مباشرة، وبما يستطيعه أو لا يستطيعه الحزب.
ولعل العبارة الأوضح التي قالها سعد الحريري جاءت من خارج النص، المكتوب بأعلى درجات الحرفة والمسؤولية الوطنية.
"خلصونا" قال الرجل متوجها إلى حزب الله، وإلا فإنكم تنعون الحوار وتنهون البلد لأن عندها "الحريق سيصيب لبنان مهما بذلنا جهوداً لإطفاء الحروب الصغيرة"، أما نحن فقدرنا أننا "مكملين".