التوقيت الإثنين، 25 نوفمبر 2024
التوقيت 05:06 م , بتوقيت القاهرة

جريمة على المتوسط

بالأحمر الدمويّ استقبلت مصر يومًا جديدًا من أيامها الحزينة، بالدم المصري الذي حمله موج المتوسط، الذي تخلى لوقت عن وصف "الأبيض المتوسط"، وقد تخضَّبت أمواجه بدم أبنائنا المسفوح على مذبح الهمجية والبربرية.. بالأحمر الدموي مرّ الأحد حزينًا على البيوت الفقيرة، التي عاشت تقتات من نور العذراء البتول، وتتوسل في صلواتها بأرض مصر الطيبة التي باركتها خطى المسيح في مسار العائلة المقدس.


احبس أنينك في صدرك، ومُرْ عينك أن تكف عن دمعها، والسكين يستهل رحلته الخائنة، في الرقاب البريئة، والنصل يمضي سهلاً في أعناق الكادحين، والدم الذي خضَّب الصليب بمسيحه، يبدأ طريقًا جديدًا من الآلام، البحر والسماء يلتقيان عند منتهى النظر وبينهما الدم، البحر والسماء يلتقيان عند منتهى النظر ليفصلا في أمر الأرواح التي حلقت مذبوحةً على رمال المتوسط.


يوم جديد من أيام مصر ومواكب الصاعدين لا تنقطع تزف مسلمًا وفي إثره مسيحيا، والشهادة في سيناء كالشهادة في ليبيا، الكل فيها مصريّ، منهم من يدافع، ومنهم من غرّبته لقمة عيشه إلى مهالك ليبيا. استعراض جديد للتوحش على ساحل ليبيا، أبطاله كائنات خلعت إنسانيتها على شاطئ البحر، وارتكبت ما تتصاغر أمامه كل الشنائِع التي سطرها سجل التوحش في التاريخ.


مازال مسلسل جرُّ مصر إلى حيث لا تريد، مستمرَّا وبضراوة، بمؤامرة استحكمت حلقاتها من سيناء إلى ليبيا، ومن أنفاق غزة إلى يمن باب المندب. المؤامرة التي كشفت بفُجرٍ عن وجهها القبيح برعاية ومساندة من دول الكل بات يعرفها.


اجتمع الكل على ضرورة كسر مصر وجيشها ليتهاوى آخر جيش كبير بالمنطقة، ومن ثَمّ الإجهاز على مصر. اجتمعت قوى الشر على حتمية توريط مصر في مستنقع ليبيا واستكمال مسلسل الاستنزاف لقدرات مصر بالداخل والخارج. وهاهم يحركون ذراعهم القذر داعش، لاستهداف عمال مصريين أبرياء، يسعون وراء لقمة عيشهم، فيُعمِلون فيهم همجيتهم وتوحشهم، وينقلون هذا التوحش مصورًا، لبث الرعب في القلوب، وإظهار مصر بمظهر العاجز عن رد الفعل لتأليب الشعب على جيشه وقيادته.


الجريمة شائنة وبربرية، هذا صحيح، ومنذ متى كان للتوحش ميثاق أو عهد؟. هذه المرة يُراد لمصر أن تغرق في أحزانها، وأن تفقد قدرتها على الفعل والمبادرة تحت ضغط الداخل الغاضب، يُراد لمصر أن تنزلق إلى حيث تريد القوى المتآمرة، لتدخل في متاهة الاحتراب الداخلي، والتدخل الخارجي الذي ينتظر اللحظة المناسبة لتفتيت تلاحم الشعب المصريّ، وتحقيق ما تم التخطيط له داخل أروقة أجهزة المخابرات، لدول تُنفق وتستثمر في خراب مصر.


لا ينبغي أن ننسى دماء أبنائنا الذين قٌتلوا غدرًا وغِيلة، لكننا في الوقت نفسه لا ينبغي أن نقبل أن يُفرض علينا طريقة ردنا على الجريمة الوحشية، وأن يكون ردنا متفقًا مع مصالحنا الوطنية، ومفوتًا الفرصة على المتآمرين كي لا يستفيدوا من فعلتهم الجبانة هم وظهيرهم الخائن بالداخل، الذي لا يختلف في داعشيته عنهم وهو يخرب ويحرق ويقتل يوميًا في كل مصر.


قيل لنا ونحن صغار، إن الحيوانات نوعان، حيوانات أليفة، وحيوانات متوحشة، وأن الأليفة اكتسبت طباعها بألفتها للإنسان، وأن المتوحشة ما توحشت إلًّا لجوعها وهي تهيم في الغابات والبراري، يا أيتها المُدرسة الطيبة أنت مدينة باعتذار للحيوانات أليفها ووحشها.


قُتل الإنسان ما أحقره، فقد جاوز بتوحشه كل مخلوق وُصف يوما زورًا بالتوحش. هذا القطيع الذي أعمل السكين في الرقاب المصرية سيدفع الثمن قريبًا وبالطريقة التي يستحقها، ذلك أمر لا ريب فيه. ما يستحق الانتباه كثيرًا هم دواعش الداخل، الذين يشكلون الظهير الخائن لمؤامرات الخارج.