التوقيت الإثنين، 25 نوفمبر 2024
التوقيت 10:10 م , بتوقيت القاهرة

التراث بين المقدس والمدنس (2)

توقف الحديث في المقال السابق عن التراث وكيف أصبح لهو قدسية خاصة لدى الجماعات الإسلامية، ورأينا كيف وقفت هذه القدسية عائقا أما عملية التصحيح..ونكمل اليوم الحديث، واضعين أولى الخطوات في طريق تجديد التراث.


أزمة التراث أم أزمة الجماعات الإسلامية؟


وإشكالية التراث أنه أصبح كلأً مباحًا لكل من هب ودب، وخصوصاً الذين يتعاملون معه على أنه كليات ثابتة يجب ألا يتغير بتغير الأزمان، والغريب أن أغلب الجماعات الإسلامية تستقى أفكارها من كتب التراث حتى جماعات التكفير!.


التراث له منا كل التقدير ولكن لا يعنى ذلك التقديس وعدم قبول نصوصه للتدقيق والمراجعة، فالتراث الإسلامى لا يعرف الوقوف عند حد ولا يقتصر قبوله للنقد على زمن معين، وهذا معناه، أننا لا نطالب بقطع الصلة بالتراث، وما أنتجته الحضارة الإسلامية، لكننا نطالب بعلاقة واقعية نقيمها ونزاولها فى نطاق أدوات شريعتنا الدينية، فنحن لا نستطيع الإقلاع الكلى عن التراث الذى ولابد وأن نتواصل معه شئنا أم أبينا، لكننا مطالبون بعدم القبول المطلق لكل شيء إلا بعد التدقيق والتصحيح والتنقيح.


والتراث يحتاج إلى رؤية ذات إخلاص وصواب ودراية يتحقق فيها طرفا المعادلة تصحيح التصور وتخليص العقل من الشوائب والأخطاء، كما يقول الدكتور عماد الدين خليل في كتابه حول إعادة تشكيل العقل المسلم "كيف قدر العقل المسلم على حمل الأمانة وتنفيذ المهمة وأداء الدور، وكيف لم يحدث فى الأعم الأغلب ما كان يمكن أن يحدث من انفصال وتباعد وسوء تفاهم بين المطالب الجديدة وبين الشد التاريخي، والتقاليد السائدة، والقدرات المحدودة، لقد حدث شيء من سوء الفهم وهذا من عدم التعقل والتفاعل والالتحام ما فى هذا شك".


في طريق تجديد التراث


إن التجديد يعني عدم التعامل مع النصوص بطريقة جامدة، بل إنه انتقال بالفكر والتصور إلى عالم آخر، ولو استطاعت الحركات الإسلامية أن تلقى ذاتها القديمة التي تنبع من تصورات مرت عليها القرون لاستطاعت أن تعيش حقيقة التراث وتمسك بدلالته.


والتراث ونصوصه ليس عصيًا على التجديد بل هو قابل له، لأنه يعترف بالثوابت، لكنه فى ذات الوقت يؤمن بالمتغيرات، كما أنه يمتاز بالعمق الزمني، فهو ضارب فى بدايات الدولة وعصور الإسلام الأولى حتى العصور المتأخرة التي تدهورت فيها أحول المسلمين، ولو نظرنا إلى القرآن لوجدناه يدفع الناس إلى التفكير ويتحدث عن الأنبياء فهو لا يتوقف عند زمن معين، وهذه الاستمرارية هي منهج الإسلام الذي يؤكد أن التراث قابل للنقد والضبط.


إن كثيرًا ممن كتبوا التراث كانت مهمتهم قاصرة على تسجيل العلم فقط وأنواع الفنون حتى الفنون المحركة كالسحر مثلاً، ولذا فكل ذلك يحتاج إلى ضبط، خصوصاً فى مرويات التاريخ والأحاديث لنبوية التي لا مانع من إعادة تحقيقها وضبطها حتى لو وجدنا فى ذلك مصاعب، يقول الشيخ الغزالي عن عمليات مشابهة فى كتابه السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث "هناك من يتطاولون على أئمة الفقه باسم الدفاع عن الحديث النبوي مع أن الفقهاء ما مادوا عن السنة وكل ما فعلوه أنهم اكتشفوا عللاً في بعض المرويات فردوها وفق المنهج العلمي المدروس.


إن هذا التجديد بلا شك سيواجه بمشاكل وعقبات كالتي واجهها الفقهاء باعتباره مؤامرة على الدين مع أن لذلك أولوية كان على التيار السلفي أن يصرف لها جهدها في السنوات الماضية بديلاً عن المعارك الأخرى.