التوقيت الإثنين، 25 نوفمبر 2024
التوقيت 11:37 م , بتوقيت القاهرة

الانتخابات البرلمانية: بين المقاطعة و"النضال" شعرة

بعض القوى التي لامت الدكتور محمد البرادعي لمقاطعته انتخابات الرئاسة، قرّرت مقاطعة الانتخابات الحالية.


هذا يعني أن تلك القوى تعلم أن المقاطعة مجرد خيار سياسي. لو أردنا أن نلحق به صفة فيجب أن نفكر في كل حالة على حدة.  المقاطعة لا تساوي تلقائيا النضال. والمقاطعة لا تساوي تلقائيا "النظافة السياسية".


بل المقاطعة قبل كل ذلك لا تساوي تلقائيا الشجاعة، ولا القدرة على تحدي السلطة. حين أقاطع لأني أخاف انفضاح شعبيتي الحقيقية فهذا –مثلا- فعل يجمع كلا من الجبن والانتهازية والنفاق السياسي.


بعض القوى السياسية عندنا، رغم أنها تقدّم نفسها على أنها من روّاد التغيير، لا تلمس هذا التغيير في مستوى وعي الناس السياسي. تعتقد أن أحكام الجمهور تسير كما هي منذ العهد السابق إلى العهد الحالي. وبالتالي فمن النضال المقاطعة. إن دل هذا فإنما يدل على انفصالهم عن الجمهور. حتى غير المسيّسين يدركون أهمية هذه الانتخابات للوضع في مصر بشكل عام.



لو لم يكن في قرار المقاطعة من عيب غير هذا، لكان كافيا. لكن المقاطعة في الحقيقة أسوأ أثرا بكثير لدى الجمهور حاليا، للأسباب التالية:


1- هذه أول انتخابات في "العهد الجديد"، المشاركة في هكذا انتخابات مهم جدا لضبط سلوك الممارسة السياسية، بمعنى أنه لا مجال للادّعاء بأن الانتخابات أجريت بشكل سيىء إلا لو وضعنا تلك الإجراءات على المحكّ، وخرجنا بوقائع تثبت هذا الادعاء.


2- الانتخابات تجري في ظروف لم تمر بها من قبل. جماعة إرهابية تمارس إرهابا غير مسبوق في البلد، وفي نفس الوقت تحظى بدعم دولي. خيار المقاطعة مفهوم من الإخوانجي، دكتور عبد المنعم أبو الفتوح. لكنه ليس مفهوما أبدا من قوى سياسية تعارض هذا الإرهاب وتريد أن تعجّل باستقرار الوضع. حيث إن الاستقرار دعم للديمقراطية وليس العكس.


3- عطفا على البند السابق، فإن المقاطعة مفهومة من أُناس لا تؤمن في قرارة أنفسها بالعملية السياسية الحالية، وتريد أن تثبت فشلها بأي طريقة. معارضتهم –أعني- في أصلها رفض للنظام من الأساس، وكفر به، وليست مجرد تفاصيل هنا أو هناك.


4- ربما يعترض البعض على البند ثالثا، على أساس أن بعض هذه القوى السياسية قدّمت مطالب معينة للاشتراك في الانتخابات. طيب. ما فحوى هذه المطالب؟ فحواها تدخّل رأس النظام من أجل استبعاد س أو ص. ليست هذه شروطا. هذا إملاء نتائج. المفترض أن يحدث هذا النوع من الإجراءات بناء على الانتخابات وليس استباقا لها. عملية سياسية معناها لا إقصاء لأحد إلا بأحكام القضاء.


5- أشرت سابقا إلى الأسباب، المقاطعة من قوى سياسية يعلم الناس أنها بلا شعبية، في هذه الظروف، فعل منفر إلى أبعد الحدود.


في تجربة الانتخابات الرئاسية لم تُفد المقاطعة شيئا، فرغم حصول الرئيس السيسي على نسبة غريبة في أي عملية ديمقراطية، أكثر من 96?، فإن المنظمات الدولية لم تستطع اتهام النظام بالتزوير أو ما شابه. من يحتاج إلى "التزوير" أساسا. الانتخابات البرلمانية المقبلة ستقدم بحرص على سلامة الإجراءات، لأن العالم كله يراقبها. القوة السياسية التي لن تشارك في هكذا انتخابات (أولى في عهد السيسي، مراقبة باهتمام من العالم) فمتى تشارك؟


لو ظلت الإنسانة على الشط خمسين سنة، تقول إنها لن تشارك في السباحة لأن شروطها لم تكتمل، فلن تتعلم السباحة. كل عملية في العالم تبدأ بالتطبيش وتنتهي بالإتقان. كل أبطال العالم في ألعاب القوى بدأوا رحلتهم حبوًا.. هذا حقيقة علمية. وهذا هو النضال السياسي