التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 02:03 م , بتوقيت القاهرة

قصة حرق ابن أبي بكر الصديق.. والأوقاف: لا يجوز القياس عليها

تألم العالم بسبب واقعة حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة على يد تنظيم داعش، وأثار الفيديو الذي نشره التنظيم أول أمس الثلاثاء، مشاعر الغضب من الإرهابيين والتعاطف مع الكساسبة، فسارع التنظيم وحلفاؤه في الفكر بنشر فتاوى تؤكد أن بشاعة الفعل ليست بجديدة، حتى قال أحدهما "بل لكم فى الحرق سلف".


محمد بن أبي بكر الصديق، أحد أبرز الشخصيات التي عاصرت تاريخ صراع الفتنة الكبرى بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، وكان له صولات وجولات، لمع اسمه مع الثورة على الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان، واستمر في الصعود، حتى كانت نهايته على أرض مصر حرقا.


ربيب علي


بداية لابد أن نقول إن محمد من الشخصيات المختلفة عليها اختلافا كبيرا في التاريخ الإسلامي، عند أنصاره وعند خصومه من الأمويين، ولذلك سنعرض وجهتي النظر في قصته، محمد ولد في كنف أبيه عام حجة الوداع 10هـ، وأمه أسماء بنت عميس، والتي كانت زوجة جعفر بن أبي طالب قبل زواجها من أبي بكر، وعاصر النبي محمد لشهور قلائل، ثم أصبح أبوه خليفة النبي، ولكن سرعان ما توفاه الله، فانتقل وهو طفل صغير إلى دار علي بن أبي طالب بعد أن تزوج والدته، فتربى محمد في بيت علي كولد من أولاده، وتزوج شقيقة زوجة الحسين، وهما بنات ملك الفرس في عهد عمر بن الخطاب.


مصر والثورة


أورد علي الكوراني في كتاب "جواهر التاريخ" أن محمد بن أبي بكر كان أهل مصر يحبونه لأنه شارك في فتح مصر، وفي معركة ذات الصواري مع صديقه محمد بن أبي حذيفة، لكن خرج مع من خرجوا على عثمان بن عفان، قاصدين المدينة وحاصروا الخليفة في منزله، وطالبوه بترك إمارة المسلمين لما رآوه من تمكين بنى أمية للولايات الإسلامية وتسلطهم، وأرسل عثمان عليا بن أبي طالب إليهم لتهدئتهم، لم له من منزلة على محمد بن أبي بكر ورفاقه، فعادوا إلى مصر، بعد أن كتب عثمان كتابا عين فيه محمد واليا على مصر لتهدئة المصريين، لكن طريقهم لم يكتمل فهناك خدعة جديدة حدثت.


كتاب الخيانة


في أثناء سير محمد ورفاقه إلى مصر وقد أصبح أمير البلاد، لاحظوا أن هناك رجلا يسير على جمل تارة يقترب منهم وتارة يبعد، فلم يسكت محمد إلا أن أنزله وهدده أن يظهر عن سبب تتبعهم، فوجدوا معه كتاب من عثمان إلى عبد الله بن سعد، يأمره فيه أن يقتل الوفد وألا يسلم مصر لابن أبي بكر، كما جاء في تاريخ المدينة لابن شبة، فرجعوا إلى المدينة، كما جاء في تاريخ الأمم للطبري، وعرضوا الأمر على عثمان فأنكر ما حدث وقال إنه ليس بكتابه، فقال المصريون لو الكتب تخرج باسمك وعليها ختمك وأنت لا تدري، فأنت لا تصلح خليفة، اخلع نفسك من الخلافة، فرفض، فظلوا محاصرينه حتى قتلوه، وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء أن مروان بن الحكم هو كاتب عثمان، وكان معه خاتمه، وهو من خانه بهذا الكتاب وقلب الناس على عثمان.


 

قتل عثمان


وجد الثائرون أنه لا بديلا عن قتل عثمان، فتوجهوا إلى داره، فإذا بجمع من أبناء الصحابة، منهم ابن عمر وابن الزبير وابن طلحة، وأبناء علي الحسن والحسين، اللذين تربى معهم محمد، فتجاوزهم مع من تجاوزهم ودخلوا الدار، وهنا وجد اختلاف في الروايات، فأنصار محمد يتمسكون بما جاء به ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، بأنه عندما دخل محمد على عثمان قال الأخير له: ويلك، أعلى الله تغضب، هل لي إليك جرم إلا أني أخذت حق الله منك، فتركه وخرج، ورواية الاستيعاب لابن عبد البر عندما رآه عثمان قال له "لو رآك أبوك لم يرض هذا المقام منك" فخرج عنه وتركه، وهذا هو الرأي الأشهر، حتى إن ابن تيمية برأ محمد من قتل عثمان، أما خصومه، وخاصة الأمويين فيرون أنه شارك في قتل عثمان، ويستدلون برواية الذهبي في سير أعلام النبلاء بأنه سار لحصار عثمان، وفعل أمرا كبيرا، فكان أحد من توثب على عثمان حتى قُتل.



الثبات مع علي


اشتعل الصراع بين علي ومعاوية بن أبي سفيان، بعد تولي الأول الخلافة وعزله الثاني من ولاية الشام، ومطالبة معاوية بتسليم قتلة عثمان الذين أعلن أنهم رجال علي، وكان محمد في ركاب علي في صولاته، وشارك معه في معركة الجمل ضد الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأخته عائشة زوجة النبي، فلما انتهت المعركة أرسل على عائشة مع محمد إلى المدينة فأوصلها ثم لحق به.


ثم مع اشتداد الصراع خاض محمد مع علي "صفين"، ثم ولاه مصر، فأرسل رسالة إلى معاوية كان منها "أنت اللعين ابن اللعين، لم تزل أنت وأبوك تبغيان لرسول الله الغوائل، وتجهدان في إطفاء نور الله، تجمعان على ذلك الجموع، وتبذلان فيه المال، وتؤلبان عليه القبائل وعلى ذلك مات أبوك وعليه خلفته" كما أورد المسعودي فى مروج الذهب.


فرد معاوية برسالة قال فيها إن عدم اختيار علي للخلافة، هو سنة أبي بكر، وعليه يسير بني أمية، فقال "إلى الزاري على أبيه محمد بن أبي بكر، إن يك ما نحن فيه صوابا فأبوك استبد به ونحن شركاؤه، ولولا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب، وسلمنا إليه، ولكن رأينا أباك فعل ذلك به قبلنا فأخذنا بمثله، فعب أباك بما بدا لك أو دع ذلك".



الحرق بمصر بعد الكماشة


بعدها كتب معاوية بن أبي سفيان إلى مسلمة بن مخلد الأنصاري، وإلى معاوية بن خديج السكوني الموجودين بمصر، يطالبهم بعمل "كماشة على محمد"، في وقت قدوم جيش عمرو بن العاص إليهم، فجهز معاوية عمرو في ستة آلاف، وخرج معاوية مودعا وأوصاه بعدة وصايا كان منه "إذا أنت ظهرت فليكن أنصارك آثر الناس عندك"، وسنعرض قصة القتل كما عرضها ابن كثير في البداية والنهاية.


وكتب عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان كتابين إلى محمد بن أبي بكر، كان من كتاب معاوية"قد بعثت إليك بجيوش يتقربون إلى الله بجهادك ولن يسلمك الله من القصاص أينما كنت والسلام"، فرد عليهم بأغلظ الردود، وكتب إلى علي يستنجده، فأرسل إليه علي يأمره بالصبر وأنه سيرسل إليه مساعدة، وركب محمد بن أبي بكر في ألفي فارس الذين انتدبوا معه من المصريين، فى مواجهة 16 ألفا من جيش عمرو، وفى البداية انتصر في المناوشات، حتى حدثت "الكماشة"، فتفرق أصحابه، فرأى خربة فآوى إليها، ودخل عمرو بن العاص العاصمة الفسطاط،  وذهب معاوية بن خديج يبحث عن محمد، فدخلوا عليه وكاد يموت عطشا، فلم يسقوه، فاستنكر أخوه عبد الرحمن إلى عمرو بن العاص أن يموت أخيه عطشا، فقال معاوية: كلا والله، أيقتلون كنانة بن بشر وأترك محمد بن أبي بكر، وقد كان ممن قتل عثمان وقد سألهم عثمان الماء.



واتفق ابن كثير والطبري أن محمد بن أبي بكر تطاول على معاوية بن خديج وعمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان، فعند ذلك غضب معاوية بن خديج فقدمه فقتله ثم جعله في جيفة (جثة) حمار فأحرقه بالنار، وهنا يرى البعض أن قتله كان انتقاما من الأمويين لهجومه عليهم ونقضه معاوية بن أبى سفيان، ويبرر الأمويين أن قتله كان انتقاما لمشاركته مع قتلة عثمان والثائرين عليه، لكن قصته أسدل عليها الستار بقول ابن كثير "لما بلغ ذلك عائشة بنت أبي بكر، زوجة النبي، جزعت عليه جزعا شديدا وضمت عياله إليها، وكان فيهم ابنه القاسم، وجعلت تدعو على معاوية وعمرو بن العاص دبر الصلوات"، وقال ابن الأثير في أسد الغابة "انهزم محمد ودخل خربة، فأخرج منها وقت، وأحرق في جوف حمار ميت،‏ قيل: قتله معاوية بن حديج السكوني‏،‏ وقيل: قتله عمرو بن العاص صبرا، ولما بلغ عائشة قتله اشتد عليها، وقالت:‏ كنت أعده ولدا وأخا، ومذ أحرق لم تأكل عائشة لحما مشويا".


فتنة لا يجوز القياس عليها


يرى مدير إدارة التفتيش الديني بوزارة الأوقاف، الدكتور سامي العسالة، أن الطريقة البشعة التي قتل وحرق بها محمد بن أبي بكر، مثبتة تاريخيا، ولكنها كانت في وقت فتنة لا يجوز القياس عليه، ولا يجوز فتح هذه الأمور هذه الأيام، وعلينا أن نقتدي بمقولة الخليفة الأموى عمر بن عبد العزيز عندما قام "هؤلاء أناس طهر الله سيوفنا من دمائهم، فلنطهر ألسنتنا من ذكرهم".


وأكد العسالة في تصريح خاص لـ"دوت مصر، أن محمد لم يشارك في قتل عثمان، وإنما خرج بعد ما ذكره عثمان بقتله أباه، لكنه اعتبر أن ما حدث كان مكيدة من الأمويين بإشاعة أن محمد شارك في قتل عثمان ليقتلوه، موضحا أن هذه المرحلة والمسماة بالفتنة الكبرى، علينا ألا نقتدي بما فيها من غلو أو أفعال منكرة حدثت كـ"هفوات" من الرعيل الأول في الإسلام، وإن كانت هذه الهفوات لا تنتقص منهم، فهم قدوة المسلمين في الأمور الطيبة، وعلينا الاقتداء بهم فى الأشياء الصالحة، وألا نتصيد الأخطاء التي وقع بهم فيها نتيجة ظرف تاريخي معين، ونقول هذا هو الإسلام، لأن هذا الاستدلال باطل.