التوقيت السبت، 23 نوفمبر 2024
التوقيت 01:55 ص , بتوقيت القاهرة

ذقن "توت عنخ أمون".. و"ثقافة الحلال والحرام"

نقلت وكالة "الأسوشيتد برس" منذ فترة قصيرة عن مصادر بالمتحف المصري، أن قناع الملك الذهبي "توت عنخ أمون".. الذي يعود عمره إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد.. والذي يزن نحو (11) كيلو جراما من الذهب الخالص المُرصع بأحجار كريمة.. تعرض لترميم خاطئ في المتحف المصري بالقاهرة ألحق به ضررا بالغا من الصعب إصلاحه وذلك باستخدام لاصق قوي تسبب في وجود طبقة صفراء شفافة بين اللحية وبقية القناع.. وأن أحدهم حاول إزالتها بآلة حادة مما أدى إلى حدوث خدوش.. أكد أحد المسؤولين عن متابعة حالة القناع بشكل منتظم أنها حديثة.


 وقد ذكر "د. ياسر أيوب" في مقال له بعنوان "توت عنخ أمون".. اللغز واللعنة.. أن مشاهد الإثارة المختلفة التي لحقت "بتوت عنخ أمون".. تؤكد أنه في حياته ومماته كان لغزا عصيا على الفهم.. وها هو الفرعون الشهير يعود إلى الواجهة بحكاية مأساوية عن ذقنه وأسلوب الترميم الخاطئ وسط حديث يتردد عن أن القناع الموجود له في المتحف المصري ليس أصليا.


ولغز آخر يُضاف إلى رصيد السيرة الغامضة للفرعون.. صاحب المقبرة التي أذهلت الدنيا والذي ظنه العالم صيادا ماهرا وفارسا لا يُشق له غبار.. فإذا بدراسات حديثة تؤكد أنه كان يعاني من أمراض وراثية ويسير متكئا على عصا.. ويملك فخذين أنثويتين وأسنانا بارزة للأمام "ضبأ".. ويعاني من تشوهات والتفاف في القدمين تجعله معوقا.. وأنه كان يعاني من مجموعة من الأمراض بسبب زواج الأقارب أدت إلى وفاته مبكرا.. لكن تنفي ذلك أقوالا أخرى تؤكد وجود كسور في عظمتي الفخذ والجمجمة نتيجة اغتياله، وأن الذي دبر ذلك وزيره "آي" الذي تزوج من أرملة "توت عنخ أمون" بعد قتله وتنصيب نفسه فرعونا.


المهم أن الترميم الخاطئ الذي أثار ردود الأفعال الغاضبة وأعلن على إثره "محمد الدماطي" وزير الدولة لشئون الآثار، في مؤتمر صحفي، أنه سيتم تحويل المرممين المتسببين في هذا الخطأ للتحقيق قائلاً: "إن هناك مدارس علمية مختلفة في استخدام مادة "الإيبوكس" في ترميم الآثار والمعادن".


هذا الترميم الخاطئ كان أيضا مثارا للتهكم ورسوم الكاريكاتير المختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي وصفحات الجرائد والمجلات منهم رسم يصور "توت عنخ أمون" يبرر الحادث قائلاً: "وقعت في حلاق غشيم شلفط خلقتي"، وذلك في حوار بينه وبين مكتشفه "هوارد كارتر" في مقبرة "توت عنخ أمون" بوادي الملوك في الأقصر، حين توصل إليها عام (1922).. "وكارتر" عالم آثار بريطاني وهو أول إنسان منذ أكثر من (3000) سنة تطأ قدمه أرض الغرفة التي تحوي التابوت.. وهناك كاركاتير آخر يقول.. ممنوع الاقتراب لحد اللزق أما ينشف".


والحقيقة أن الإهمال.. وعدم الاكتراث والتسيب الإداري الذين أدوا إلى هذا الحادث لا آراه غريبا ولا مفزعا.. ولا مفاجئا.. بل أنه أمر متوقع تماما.. ويمثل إحدى النتائج المنطقية لتدهور مفهوم الفن وخاصة فن النحت عند العامة.. والذي تصاعد تصاعداً مؤسفاً خلال الثلاثين عاماً الماضية وصولاً إلى حكم الإخوان الذي ما زالت تداعياته وتأثيراته تحكم عقول وسلوك الناس نتيجة فتاوى الظلاميين والتكفيريين والسلفيين والدعاة.. وشيوع ثقافة "الحلال والحرام" التي انتشرت وذاعت وشملت كل مناحي الحياة.


فمن ينسي ذلك الإرهابي قائد مفجري تماثيل "بوذا" الذي أعلن عن نيته في تفجير تمثال "أبو الهول" لأنه رجس من عمل الشيطان صنع لكي يعبده الكفار.. ومن ينسي تدمير رأس تمثال "طه حسين" في مسقط رأسه في المنيا.. وتشويه التماثيل في الميادين.. ومنهم تمثال "الحوريات" على كورنيش الإسكندرية.. ومن ينسى تلك السيدة الملتاثة التي قفزت سور فيلا المثّال "حسن حشمت" وحاولت تدمير تماثيله الموضوعة في حديقة الفيلا.


وليست تلك الاعتداءات الغاشمة على فن النحت – ذلك الفن العظيم – الذي ميز الحضارة المصرية منذ الأزل – ليس من فعل البسطاء والجهلة الذين تم غسل أدمغتهم وتشويه وجدانهم.. لكن المفارقة – والتي لمستها بنفسي – وهي مفارقة تراجيكوميدية  تتمثل في رأي بعض أساتذة "النحت" في كلية الفنون الجميلة حيث يصرح أحدهم للطلبة أن النحت حرام.. ولولا لقمة لعيش لما استمر يدرسه لهم.. بينما تؤكد أخرى لهم أن عيون التماثيل تطلق شرارات حارقة تصيب المؤمنين بالأذى.. وقد استطاع أولئك المكفرون أن يتوجوا جهودهم المباركة في هذا الاتجاه بإلغاء "الموديل العاري" من مادة الطبيعة الحية.


احمدوا ربنا أنه تم لصق ذقن "توت عنخ أمون" "بالإيبوكس" أو "بالاوهو".. كمان مش عاجبكم؟!.