التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 08:45 ص , بتوقيت القاهرة

الغرب.. الحاجة إلى تبادل الأدوار

<p dir="RTL">عندما تُطالع الصحف الغربية، وتراقب بحيدة تناولها للشأن المصري، انطلاقًا من مُسلمات القيم الغربية المُستقرة، التي تتعلق بحقوق الإنسان، وحق التعبير، والتداول الحر للسُلطة بكل مستوياتها، من خلال الآليات الديمقراطية المُتعارف عليها، كالاقتراع الحر؛ تتملكك بعض الحيرة، خاصة إذا ما كنت ثوريًا رومانسيًا تسعى إلى التغيير، الخالص القطعي المٌنزه عن كل نقص، المتمسك بكل حرفية التطبيق للقيم الديمقراطية في شكلها المثالي.</p><p dir="RTL">مبعث الحيرة أن وسائل الإعلام، ومراكز البحث الغربية، وكذا جمعيات ومنظمات الرأي وحقوق الإنسان الغربية، تقفز فوق حقائق اختلاف الثقافات، ودرجة الوعي المجتمعي، وتراكم التجربة الذي مرت به أوروبا، حتى وصلت إلى شكل التطبيق الحالي للممارسة، وهو الأمر الذي ينبغي عدم تجاهله عند رصد أو تقييم التجارب الديمقراطية في الشرق<span dir="LTR">.</span></p><p dir="RTL">أفردت "الديلى ميل" مساحة هامة لنقد تجربة مصر بعد 30 يونيو 2013، لتقرر أن مصر تمضي على خطى مبارك، مُستشهدةً على ذلك بقضية صحافيي الجزيرة، وسجناء قانون التظاهر، وما قالت إنه تعسف في الاحتجاز دون محاكمة.</p><p dir="RTL">تمنيت وأنا أقرأ التقرير أن يُقيم معد التقرير مقارنات سريعة بين مصر والغرب، من حيث طبيعة المواجهة، وخلفياتها الثقافية والدينية، كذلك الصلاحيات الواسعة الممنوحة لرجال الأمن في الغرب، والتي تبدأ بالاحتجاز المباشر، لمجرد تجاوز الخط الأبيض، أو شريط التحديد البلاستيكى، وتنتهي بإطلاق النار في حالة التظاهر المسلح، والسلوك العنيف كالقنابل الحارقة والمولوتوف، وهي أشياء من فرط الاعتياد أصبحت تبدو عادية في مصر، إذ لا تخلو مظاهرة "سلمية" من بنادق خرطوش على الأقل، وترسانة من قنابل وزجاجات المولوتوف، هذا بخلاف المفخخات والقنابل الموضوعة تحت مقاعد القطارات، وأعمدة الضغط العالى.</p><p dir="RTL">عندما يتم التحدث عن خرق الحق في التعبير وتجاوز حقوق الإنسان، ينبغي أن نسجل عن أي سياق نتحدث، وعن حقوق أي إنسان نتحدث، حتى لا ينتهي الأمر بمصر إلى حالة أشبه بالحالة الباكستانية، حيث يمارس كل فصيل حقه من تفجير أحياء بكاملها في مدن ككراتشى ولاهور لمجرد الاختلاف<span dir="LTR">.</span></p><p dir="RTL"> ليس من باب إبراء الذمة أن نُسجل أنه لا يوجد صاحب رأي أمين، يقبل بأن تتجزأ القيم، وأن يتم التعامي عن أي ممارسة تمثل قمعًا، أو حجرًا على الرأي والحريات، لكن الأمر بحاجة إلى الغوص داخل السياق خاصة في مصر والتعرف على مفرداته الثقافية وطبيعة المواجهة على الأرض، حتى تخرج التقارير منصفةً قدر الإمكان، وراصدة للواقع المصري بأمانة، إذ عندما يكون الاختيار بين الدولة أو الفوضى، بين الوطن والميليشيا، يصبح الحديث عن حق التعبير لحامل مُولوتوف، أو خرطوش ضربًا من الحماقة، وأعتقد أن رئيس الوزراء البريطانى كاميرون، قال كلامًا شبيها بذلك قبل سنوات، حينما اجتاح العنف لندن وضواحيها، مع فارق المقارنة بين ما يحدث في مصر، وما كان حادثًا في لندن<span dir="LTR">.</span></p><p dir="RTL">يبدو الأمر لي في أحيان كثيرة، كما لو كنا بحاجة إلى تبادل أدوار، بين المراكز والدوائر الغربية وجمعيات حقوق الإنسان، وبين السُلطة الحاكمة في مصر، لا أدري إن كان جنونًا أن نمنح السيدة أمين عام هيومان رايتس ووتش، منصب مسؤول مصري ونطلب منها أن تقرر فعلاً ما يتوجب عمله إزاء تظاهرةٍ مجنونة، يُطلق منها الخرطوش الحي، وقنابل المولوتوف، وتقطع طريقًا، أو ميداناً أو تُوقف قطارًا. لن نكون مرفهين لدرجة أن نطلب أن تكون التظاهرة ملتزمة بالمساحة المخصصة لها من الرصيف أو الشارع، وألاّ تتجاوز الخط الأبيض، يكفينا في مصر أن تكون تظاهرة سلمية ترفع لافتات منددة بأي شيء، وتهتف بأي شئ دون مولوتوف ودخان.</p><p dir="RTL">لقد تهكم أحد كُتابنا وعرض على ناشطين مصريين، أن نستبدل قانون التظاهر المصري، بالقانون الإسباني المقبول بالاتحاد الأوروبي، المفارقة أن أحدهم قرأ القانون الإسباني وخرج على "تويتر" يردد أنه يرفضه لأن لمصر خصوصية ووضعا خاصا، لا بد من صياغة قانون يستجيب لهذه الخصوصية، الحق أن الناشط لم يتجاوز الحقيقة؛ فلمصر خصوصية ثقافية، ومستوى وعي مجتمعي يحتاج إلى قانون خاص، وهو ما حدث، لكن الناشط بالطبع لا يقصد ذلك، وإنما يقصد قانونًا لشرعنة الفوضى، والحق في عمل أي شيء، في أي وقت ليتحول الوطن إلى أولتراس كبير تحت مسمى حرية التعبير والحق في التظاهر<span dir="LTR">.</span></p><p dir="RTL">الديمقراطية حق، حرية التعبير بكل مستوياتها حق، التظاهر حق، لا خلاف على رفض الظلم والتغول على حق الإنسان في أن يحيا بكرامة وأمن، لكننا إزاء عصا غليظة وناعمة في نفس الوقت، يلوح بها الغرب وقتما يشاء، لأهداف سياسية لا تخفى على مراقب، والنتيجة الحتمية أن العنف والإرهاب يكسب بسبب ذلك، أرضًا جديدة كل يوم، وتتآكل فكرة الوطن والدولة لصالح فكرة الميليشا والقبيلة<span dir="LTR">.</span></p>