التوقيت الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024
التوقيت 05:27 ص , بتوقيت القاهرة

يثرب والقدس.. هل نتعلم مما حدث لليهود

<p dir="RTL"><span style="color:#FF0000;">في أي ظروف نزلت الأحكام السياسية للإسلام؟</span></p><p dir="RTL">نزلت في يثرب. وهي بلدة صغيرة جدا، كان يعيش فيها عدد قليل من السكان. في السنة الخامسة أو السادسة طلب النبي أن يُكتب له عدد من تلفظ بالإسلام من أهل المدينة فكتب له ألف وخمسمئة اسم. وقيل بل كان العدد أكثر من ذلك، إذ أولم لأربعة آلاف في زواج علي بفاطمة. في كل الأحوال لم يكن عدد السكان أكثر من بضعة آلاف. وهو عدد أقل كثيرا من عدد السكان في أي قرية صغيرة من قرى مصر.</p><p dir="RTL">زاد هذا العدد كثيرا بعد ذلك بفعل الفتوحات، لكن هذا كان بعد فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة. وهو ما يعني أن معظم الأحكام السياسية، تلك المعنية بالحرب مع المشركين، بالتعامل مع الأسرى، بالموقف من اليهود، كانت قد نزلت بالفعل. لأن فتح مكة يأتي بعد غزوات الرسول بدر وأحد والخندق، وبعد إجلاء اليهود من المدينة. الاستثناء الوحيد هي الأحكام التي نزلت في المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، ومعظمها أحكام إيمانية لا سياسية، وإحراق مسجد الضرار<span dir="LTR">.</span></p><p dir="RTL">الشرح السابق قصدت منه هذه الجملة البسيطة: أحكام الإسلام السياسية، التي يستخدمها الإسلام السياسي، نزلت في مجتمع صغير لا يتعدى بضعة آلاف. <span style="color:#FF0000;">هذا أولا</span><span dir="LTR">.</span></p><p dir="RTL"><span style="color:#FF0000;">ثانيا:</span> المجتمع الذي نزلت فيه الأحكام كان وقت نزولها مجتمعا معزولا، لا يكاد يعني أحدا في العالم. من جهة بسبب بطء الاتصالات. ومن جهة بسبب صغر حجمه إلى جوار الإمبراطوريات التي كانت قائمة وقتها<span dir="LTR">.</span></p><p dir="RTL">وبالتالي فإن تلك الأحكام مناسبة تماما لكي تعكس وجهة نظر المسلمين، أصحاب الأمر والنهي. سنفهم الفكرة لو قارنا بين أحكام المدينة وبين الأحكام المكية، التي نزلت والمسلمون أقلية. أحكام المدينة تعكس وجهة نظر السلطة المسيطرة على بقعة صغيرة لا يسمع بها أحد، والمتفردة بالحكم فيها تفعل ما تشاء، وتتخلص إن شاءت من الجيوب اليهودية الصغيرة (أهل الكتاب) التي لا تدين لها بالولاء<span dir="LTR">.</span></p><p dir="RTL"><span style="color:#FF0000;">أين تكرر هذا في تاريخ الأديان من قبل؟</span></p><p dir="RTL">بالضبط. في الأحكام التي صاغتها اليهودية في دويلتها المحدودة المساحة، المحدودة العمر. حوالي سبعين عاما فقط. والتي كتب فيها اليهود تاريخهم وتاريخ أعدائهم أيضا. فالموآبيون والعمونيون - مثلا - أبناء لوط من سفاحه بابنتيه، هكذا كتب اليهود. وكنعان وذريته عبيد لسام وذريته. "فقال ملعون كنعان عبد العبيد يكون لإخوته. وقال مبارك الرب إله سام وليكن كنعان عبدا لهم".</p><p dir="RTL"><span style="color:#FF0000;">وهكذا</span>. صيغت أحكام الجيرة لدى اليهود في ظل سيطرة، أو رغبة في السيطرة، على "الأرض الموعودة".</p><p dir="RTL">لقد انهارت الدولة اليهودية سريعا. وكانت النتيجة أن عاش اليهود يدفعون ثمن الأحكام التي طرحوها دون اكتراث بالآخرين، في ظروف لم تكن تدفعهم إلى الاكتراث بالآخرين. واستخدمت هذه الأحكام من قبل خصومهم حجة عليهم وعلى أبنائهم، ووسيلة للدعاية والتحريض ضدهم، في مذبحة وراء مذبحة، كان آخرها المحارق النازية التي قتل فيها هتلر ملايين الأبرياء. بلا ذنب إلا كونهم يهودا. بينما أجرمت أوروبا كلها في التمهيد لذلك بالدعاية طيلة عقود، ثم بقوانين معاداة السامية التي تبنتها دول<span dir="LTR">.</span></p><p dir="RTL">كان سهلا النكاية باليهود، وتحميلهم ذنب المكتوب في كتبهم المقدسة. لأن اليهودية ديانة محلية، عرقية، لم تتوسع بالتبشير بين صفوف الأميين، الأغيار<span dir="LTR">.</span></p><p dir="RTL">وليس هكذا الحال بالنسبة للإسلام. صحيح أن ظروف كتابة الأحكام كانت متشابهة (دويلة صغيرة يمكن السيطرة عليها وفرض تشريعات لصالح السلطة القائمة)، لكن الإسلام نفسه توسع<span dir="LTR">.</span></p><p dir="RTL">الأحكام السياسية سببت أزمة في الإسلام أيضا. مختلفة. بل معكوسة. اليهود لقلة عددهم عانوا الاضطهاد، والمسلمون، بسبب كثرة العدد لم يعانوه. الأزمة كانت للأقليات التي عاشت في ظل الإسلام. والتي وجدت نفسها عرضة لأحكام الإسلام على يهود المدينة، ومنافقيها (المعارضين). أحكام سلطة مسيطرة تماما على بلدة نائية، تستطيع أن تفعل مع أقلياتها، وهم من اليهود الأقلية في العالم أساسا، ما تشاء دون خوف من رد فعل دولي أو إمبراطوري<span dir="LTR">.</span></p><p dir="RTL">وبالتالي كان التاريخ الإسلامي السياسي تاريخا من الفتن والنزاعات. فليس لمن يعارض فيه سوى السيف<span dir="LTR">.</span></p><p dir="RTL">هذه أزمة، نعم، لكنها أزمة "مقدور عليها" بالنسبة للمسلمين الذين ينتمون إلى الأكثرية، دينا ومذهبا وطائفة. لا بد من اكتمال الشروط الثلاثة<span dir="LTR">.</span></p><p dir="RTL">الأزمة الحقيقية لنفس هؤلاء المسلمين بدأت في الظهور الآن. حيث أقليات معتبرة من المسلمين تعيش في مختلف دول العالم. وتريد أن تفرض من موقعها الأقلوي أحكاما كتبت في السلطة. هذا في مستوى<span dir="LTR">.</span></p><p dir="RTL">في مستوى آخر يريد مليار ونصف المليار مسلم أن يفرضوا على العالم التعامل معهم وفقا لأحكامهم، لأحكام الإسلام التي كتبت وهو في السلطة، تلك التي نشأت في البلدة الصغيرة المعزولة. بل إن أصحاب الصوت الأعلى باسم الإسلام يتوعدون العالم بهذه الأحكام، أحكام الجهاد، ومقاتلة الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله<span dir="LTR">.</span></p><p dir="RTL">الأقلية من المسلمين التي تعيش في الغرب حاليا محظوظة، لكنها لا تدرك ذلك. لا تدرك أن اليهود دفعوا ثمنا باهظا لكي يصل الفكر الإنساني إلى ما نحن عليه الآن من "حقوق الإنسان"، وأن السود دفعوا ثمنا موجعا لكي نصل إلى ما نحن فيه الآن من "حقوق الإنسان". وأن المسلمين نعموا بها دون أن يدفعوا ثمنها الباهظ<span dir="LTR">.</span></p><p dir="RTL">أخشى أن عدم إدراك الأقلية المسلمة لهذا قد يصل بها إلى كارثة. إن ما يحمي الأقليات المسلمة ليس فقط كثرة العدد كما قد نظن، ما يحميها هو الإطار القانوني التشريعي المشار إليه. كثرة عدد الكاثوليك في العالم لم تحمهم من الاضطهاد على يد البروتستانت في جزيرة صغيرة اسمها انجلترا في القرن السادس عشر. حال المسلمين الآن في العالم أضعف كثيرا جدا من حال الكاثوليك في أوروبا في الوقت المشار إليه. والصراع في فلسطين يشهد بذلك. ثم إن الغرب الذي خاضت دوله حربا عالمية وحوشا في وحوش، لن يتورع عن حرب ضد من هم أضعف من ذلك كثيرا<span dir="LTR">.</span></p><p dir="RTL">ذهنية "يحق لي ما لا يحق لغيري"، تفيد أصحاب السلطة في دويلة بني إسرائيل القديمة، وتفيد أصحاب السلطة في دولة الإسلام في يثرب. لكنها لا تذهب أبعد من ذلك. أليس منكم امرأة رشيدة أو رجل رشيد<span dir="LTR">!</span></p>