التوقيت السبت، 23 نوفمبر 2024
التوقيت 03:55 ص , بتوقيت القاهرة

الجمهورية العربية الإسلامية.. دولة عمرها 24 ساعة

"كلام الليل يمحوه النهار" مقولة شهيرة تنطبق على "اتفاق جربة"، الذي وقع بين تونس وليبيا، فاتفاق الوحدة الليبية التونسية ظهر في ظروف مفاجئة وألغي أيضا في ظروف مفاجئة دون توضيحات أو أسباب، خصوصا أنه لم يمر على توقيعه 24 ساعة حتى تم نقضه.


القصة بدأت في 12 يناير/ كانون الثاني 1974، فبدون مقدمات وفي زيارة مفاجئة للرئيس الليبي الراحل، العقيد معمر القذافي، إلى تونس، وتحديدا في جزيرة جربه، لمعت الفكرة في رأس الرئيسين التونسي، الحبيب بورقيبة، والليبي بإنشاء وحدة بين البلدين.


"الجمهورية العربية الإسلامية".. الاسم الذي كان مقررا إطلاقه ليعبر عن الوحدة الليبية التونسية، أما نظام الحكم والاختصاصات في الدولة الجديدة بحسب الاتفاق الموقع حينها، فكان الحبيب بورقية هو رئيس الجمهورية الجديدة، والقذافي هو نائب الرئيس والمسؤول عن الدفاع والجيش.



الاتفاق الذي مر على توقيعه ونقضه 42 عاما، مازالت أسراره طي الكتمان، فبالرغم من خروج تصريحات من سياسيين مقربين من الرئيسين الليبي والتونسي إلا أنها تحمل تأويلات وتناقضات، وما زاد الأمر غموضا وحيرة هو أنه بحسب الاتفاق الموقع كان الرئيس التونسي بورقيبة سيرأس الجمهورية الجديدة، ونقض الاتفاق كان من طرفه أيضا.


روايات كثيرة سببت فشل الوحدة بين تونس وليبيا، أولها خوف الرئيس التونسي من خطر الوحدة بين مصر وليبيا، بحسب تصريحات لوزير الاقتصاد وقتها، منصور معلى، لبوابة إفريقيا الإخبارية، الذي كشف فيها عن أن بورقيبة كان يعتقد أن تونس، البلد الصغير من حيث إمكانياته الطبيعية، لا يجب أن ينحصر بين عملاقين هما الجزائر ومصر.


"مصر لديها العسكر وليبيا لديها البترول، في حين لا تمتلك تونس سوى مواردها البشرية" كانت مكمن مخاوف بورقيبة لذلك أسرع للوحدة بين بلده وليبيا، وذلك بحسب وزيره معلي.


ثانيها تأثر بورقيبة بآراء المحيطين به، "وزراء تونسيون أفشلوا حلم الدولة"، هذا ما قاله المستشار التربوي بجهاز التفتيش والرقابة الشعبية بليبيا، محمد العيساوي الشتوي، وهو تونسي مقرب من العقيد القذافي، في منتدى الذاكرة الوطنية المنتظم ببادرة من مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات.


وذكر العيساوي أن السياسي والدبلوماسي التونسي، الحبيب الشطي، أخاف بورقيبة من عواقب الوحدة وقال له: "كيف تبيع تاريخك أيها الزعيم وتضحي بالحزب الدستوري مقابل الوحدة مع ليبيا؟". فأجابه بورقيبة: "إن ليبيا ستسدد كامل ديون تونس، كما سأكون أنا رئيسا للدولتين معا"، فقال له الشطي: "إن معمر القذافي لا يؤمن له جانب، وما دام الجيش بيده فيمكنه أن يقصيك من الحكم متى شاء". ولما سمع بورقيبة هذا الكلام خاف وعدل عن مشروع الوحدة".


أما ثالثها، فكان تدخل خارجي لإفساد حلم الوحدة، وهذا ما قاله منسق العلاقات الليبية المصرية سابقا، أحمد قذاف الدم، لصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، مضيفا: "فوجئ الليبيون بتوقف تونس، من طرف واحد، عن العمل المشترك، وعندما أرادنا أن نعرف سبب عدم الاستمرار في العمل على اتفاق الوحدة، لم نتمكن من الحديث مع الرئيس بورقيبة، لأنه كان قد ترك تونس فجأة وغادر إلى جنيف".



ودلل قذاف الدم على تدخل فرنسا لإفشال المخطط بالإشارة إلى عملية قفصة، التي وقعت في 1980، بقيام عشرات المسلحين، الذين قيل وقتها، إنهم ينتمون لفصائل من المعارضة التونسية، بالاستيلاء على المدينة، ودعوة سكانها للانضمام إلى الثورة المسلحة، والدعوة للإطاحة بالرئيس بورقيبة، لافتا إلى اتهام فرنسا لليبيا بالوقوف خلف إثارة الشغب في تونس.


الاتفاق الذي لم يصمد لمدة 24 ساعة، أصر فيه الرئيس التونسي على إعادة ورقة الاتفاق الموقعة بين البلدين، وقال قذاف الدم، كانوا مصرين على أن تعيد ليبيا لتونس وثيقة الاتحاد الموقعة بين البلدين، ظنا منهم أنه في حالة وفاة الرئيس بورقيبة ستستخدمها ليبيا لفرض الوحدة بالقوة.