التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 05:28 ص , بتوقيت القاهرة

هؤلاء أسعدهم انفجار "شارلي إبدو" الفرنسية

استضعفتمونا وحاربتم ديننا وشتمتم نبينا (ص) اليوم نكفر بكم ونكفر بجوازاتكم وإذا جئتم هنا فسنقاتلكم -- عبد الودود الفرنسي (أحد المنتمين لداعش)


طرح حادث صحيفة "شارلي إبدو" الفرنسية سؤالا حول مفهومنا الشخصي لتطبيق العدالة، فمبرر مرتكب الحادث كان ولا يزال هو إساءة الصحيفة للدين الإسلامي وشعائره، وهو ما خول لهم إصدار حكم الإعدام على العاملين فيها، بدعوى الانتقام للدين والرسول ونصرة الحق.


 



 

ورغم فداحة الجرم الذي ارتكبه منفذو الحادث، فإنن ما يعنينا بعد كل مشاعر التضامن والتعاطف مع الضحايا وأسرهم، هو كيف يمكن لإنسان عاقل مسلم مؤمن بحرمة الدم، أن يرتكب هذا بدعوى الثأر لدين الله؟ ويجد من يروج ويبتهج بما ارتكب؟. 


 




هول الصدمة جعلنا نغفل عن الالتفات إلى أسباب نمو ذلك الشعور بالبهجة بين أبناء ديانة سماوية، وحضارة رسخت في العالم مفهوم السلام، فنحن كشعب متدين بطبعه.. مسالم بالفطرة تؤكد ضمائرنا أن الدين لله، لكن بعد ذهاب السكرة أتت لنا  تلك الفكرة، وهي رصد مشاعر البهجة والحبور، التي انتابت البعض، تحت دعاوى شتى، منها توحيد دول العالم تحت راية الحرب على الإرهاب، أو ابتهاجا بالقصاص الذي استحقه رسامو الكاريكاتير، لأنهم تجرؤوا وانتقدوا بعض ممارسات بعض ممن يحسبون علينا. 


هنا نطرح ذلك السؤال.. هل نحن مسؤولون عن ترسيخ مفهوم الإرهاب في أذهان أبنائنا، وهل تعمل أوطاننا العربية على تأكيد عقدة الاضطهاد لدى مواطنيها، وماذا عن دور الإعلام؟


B62ewudIIAE95bf.jpg




بالأمس كنا شهود عيان على الحرب، التي دارت بين أكثر من وسم "هاشتاج"، وبين أشد تيارات الفكر تضاد، في جانب كان هناك من يدافع عن حرية الفكر والاعتقاد والرأي، ويرى أن الحادث أضر بصورة الإسلام، وروج للرسومات المسيئة، بينما في الجانب الآخر يتحصن تحت رايات سوداء، من احتفل وابتهج بالذئاب المنفردة ـ لقب منفذي الحادث ـ التي نفذت عملية "شارلي إبدو" داخل أوكار الكفر، وأرسلت للعالم رسالة مضمونها، "لبيك أميرنا أبابكر البغدادي".


 




كنا نظن أن تلك الحرب  تدور رحاها فقط بين "سيرفرات" الإنترنت، وكنا ولا نزال نؤمن أن الرأي لا يواجه إلا بالرأي، لكنا صدمنا عندما أطل علينا إعلامي ذو وجه بشوش، احتل الشاشة متحدثا عن تفجيرات باريس، وعن الصحيفة، التي قال عنها، "عندهم رسامين معندهمش دم ولا دين"، ملقنا المشاهد بلغة بسيطة وسلسلة درسا في التحليل  السياسي، "إحنا ناس مش بتوع انفعالات، ومش بنروح مع الهيصة، إحنا بتوع التفكير العاقل"، منهيا حديثه بجملة شديدة الوضوح، "يستاهلوا اللي حصلهم". 



 


تامر أمين، مذيع برنامج "هواها مصري"، صاحب الخطاب العاقل، المنفرد بزاوية خاصة، تقول "إن ما وقع للصحيفة هو درس لكل من تجرأ وتعرض إلينا، علي أساس أن مفيش حرية تعبير مطلقة، والصحيفة مارست حرية التعبير وبزيادة". ذلك المنطق أثار موجة غضب لدى المتعاطفين مع ضحايا الحادث، الذين قرروا استخدام نفس لغة الخطاب، وإعلام "تامر"، قائلين بأنه تبنى خطاب إرهاب، وذلك تحت هاشتاج #تامر_أمين_إرهابي.


 


 


Post by Mohamed Abdallah.

لكن وعلى عكس طموح تامر أمين، لم يكن وحده المتفرد بزاوية "هما إيه اللي وداهم هناك"، فصحيفة "الأهرام"، تصدر موقعها تغطية الحادث، وأتى مانشيت التغطية بطريقة تستحق التوقف أمامه.. محرر الأهرام كتب "شارلي إبدو تجربة صحيفة ساخرة.. تجرأت للتعرض للديانات والإساءة للنبي فانتهت بالحرق والقتل". الجميع هنا وعي أنه "إذا تعرضت أو سخرت منا، سوف يكون مصيرك إذا هو الحرق والقتل على أيدينا".. شكرا لـ"الأهرام"، فقد وعي المصريون الدرس، وصرنا جميعا أكثر فخرا بما فعله الأبطال منا.

 



 



ليس مبررًا أن تسيء لأن الآخر قد أساء إليك أولا، بل يجب أن تكون قدوة للآخر، الذي تتهمه طيلة الوقت بالعنصرية، وسبك المؤامرات لإضعافك، وكما كانت "الأهرام" أعرق قدوة، كذلك كانت شقيقتها الصغرى "أخبار اليوم"، سابقا لتغطية الحادث من نفس زاوية: اقرأ الحادثة.. هذا ما حدث مع الصحيفة المسيئة!


فمحرر أخبار اليوم نسب لصحيفة "جارديان" تقريرا وصف على لسانها "شارلي إبدو"، بالصحيفة التي تمتلك تاريخا واسعا من نشر صور مسيئة للإسلام، وبالطبع لم تسمح لا "الأخبار" ولا "الأهرام" لقارئها أن يطلع على رسومات، أو مجرد عرض لمحتويات تلك الرسومات، بل اكتفت كلاهما بطرح وجهة نظرها الجمالية، والتي قد يختلف معها بعض القراء.





الملفت في الأمر أن كلتا الصحيفتين نسبت تقاريرهما إلى مصادر أجنبية، "الأهرام" نقلت عن "فرانس 24"، و"الأخبار" نقلت  "نقلاً عن "الجارديان"، وكأنهما تتبرأن من كامل المسؤولية ولسان حالهم يقول : " ده مش إحنا .. ده هما اللي بيقولوا" .. لكن ماذا كان تعليق القراء علي الصحيفتين المملوكتين للدولة، التي يدعو الرئيس فيها وبصدق مشايخها لتجديد لغة الخطاب الديني؟


 

 


 



 



 


اهرام.png     


ذلك حال الإعلام، فما بالك بحال المشايخ، الذي احترفوا تحريف اللفظ وتأويل صحيح الدين وانتخاب ما يعن لهم من آيات وأحاديث، ونحن هنا لن نتحدث عن أمراء الحرب، وشيوخ السلفية، بل نتحدث عن بعض الوجوه التي تتصدر المشهد اليوم، تحت مسمي الإسلام الوسطي الجميل، إسلام الخير والعمل التنموي .. إن جاز ذلك التعبير.



 


10915288_668543866589357_3347071400344451750_n.jpg



معتز محمد هو  المتحدث الرسمي باسم جمعية رسالة، وعدد المشاركات والإعجاب الذي بالصورة يعود فضله لرواد صفحة "علمانيو سلنترو"، التي قامت بإبراز التدوينة وانتقادها، الغريب أن "المتحدث" قاده حماسه لضرب جهود دامت عام كامل أنكرت فيها الجمعية التي يعمل لصالحها أي علاقة لها بتنظيم "الإخوان" الذي كان يدعو للعنف، معتز يرى أن "صحايا هجوم باريس" هم كفرة وزناديق، أغلق الله (بوجوب النص) في وجوههم باب التوبة، وأن علماء الأمة -- أي أمة؟- قد اتفقوا علي وجوب قتلهم.


 



 

تلك النماذج التي انتخبناها، هي جزء من كل، عينة عشوائية عن تغلل الخطاب الداعشي بين شتى العقول التي تتحدث سواء لنا أو عنا، حرصنا على إبرازه هنا لنضم أصواتنا للصوت القائل، "إننا قد صرنا بالفعل صداع في رأس العالم، بعد أن أصيبت حضارتنا بتصلب الشرايين، وتهافت المتهافتين".


 


zak.png


  abdo.png


 


بفضل عملية "شارلي إبدو" التي نفذت بسبب بعض رسومات مسيئة، توعد أمس - وفقًا لتقرير نشر بالاندبيدنت- رسام الكاريكاتور رسم شخصية النبي محمد كل يوم لمدة عام كامل وبفضل ذلك الخطاب العنصري، الذي نظن أن أصداءه تتردد هنا فقط، يعاني مسلمو وعرب فرنسا أشد حملة يشنها عليهم تيار اليمين المحافظ، وتبدو دعوات بعض العقلاء داخل المجتمع الفرنسي ضربا من خيال، أمام حمى إحراق المساجد، وهو نفس ما تعرض له العرب والمسلمين بعد أحداث 11 ديسمبر.


لكن الشيء الذي يدعو للأمل والتفاؤل، هو قيم الديمقراطية التي تسعى الحكومة الاشتراكية تحت زعامة "فرانسوا هولاند"، بعد تنامي مشاعر العداء للمهاجرين والمسلمين بفضل حملات اليمين،  محذرا من ممارسات قد تؤدي إلى زيادة الإرهاب، هولاند «الاشتراكي» يؤكد أن كل المواطنين أمام الدولة سواء، أيا كانت انتماءاتهم، ويحذر من أن يدفع الغضب البعض إلى الانتقام من الجماعات الإثنية أو الدينية التي ينتسب إليها المهاجمان. بل ويؤكد على أن فرنسا ستستمر في الترحيب باللاجئين.


رفقًا بنا رفقًا بهذا الدين.