جهاز الإيدز.. من "الكفتة" إلى القضاء
لم يمر يوم 30 ديسمبر الماضي، مرور الكرام، فاليوم الذي تم تأجيله فيما سبق 6 أشهر، انتظره أكثر من 17 مليون مواطن مصري، هم تعداد مصابي فيروس الكبد الوبائي سي، وذلك على أمل تأكيد اكتشاف علاج جديد قادر على علاج كل الأمراض الفيروسية.
ومنذ إعلان الهيئة الهندسية للقوات المسلحة عن وجود الجهاز، في حضور رئيس الجمهورية السابق، عدلي منصور، وهناك حالة جدل ضخمة صاحبت الضجة الإعلامية التي روجت لأعظم اختراعات العصر الحديث.
المجتمع العلمي المصري، قابل الكشف عن جهاز الـ"CCD" بالتشكيك في صحة وكفاءة عمل الجهاز، مستندين لعدم إتباع القائمين عليه لقواعد العمل المنهجي المتعارف عليه، وهو ما استلزم تأجيل القوات المسلحة تعميم العلاج الجديد بالمستشفيات لمدة 6 أشهر لاستيفاء التجارب السريرية.
أما عن شخص اللواء عبدالعاطي، فهو يحظى بخلاف حول كفاءته ومصداقيته العلمية، للدرجة التي دفعت القائمين على موقع "ويكييديا" بطرح موضوع حذف صفحته الشخصية من موقع الموسوعة الأشهر للنقاش على الأعضاء.
لكن على الجانب الآخر، هناك أيضا عدد غير قليل من المحبين والداعمين له، على أمل نجاح إثبات صدق العلاج الجديد، فالبعض أشار إلى أن مصداقية اللواء إبراهيم عبدالعاطي، جاءت من منحه الرتبة الشرفية، وذلك لما تحظى به القوات المسلحة من مصداقية وانضباط لدى رجل الشارع البسيط، حيث يقول المنطق إن كبار رجال الدولة من قادة وقضاة وصفوة الأطباء، لن يتورطوا في الترويج لاختراع غير واثقين من مدى فاعليته.
الأمل في إثبات كفائة جهاز الـ"CCD" دفع بعض المرضى إلى التوقف عن تعاطي جرعات العلاج الخاصة بهم، في انتظار العلاج السحري الذي سيقضي على كل الفيروسات، مع تصدي أطباء ذوي شخصيات اعتبارية داخل المجتمع للترويج لطريقة عمل الجهاز، مثل استشاري أمراض الكبد، وأحد فريق العمل الخاص باللواء عبدالعاطي، الدكتور أحمد مؤنس، بما زاد تعلق المواطنين بالأمل المزعوم.. وهو ما اعتبره عضو نقابة أطباء بالقاهرة، محمد فتوح، نوعا من الإساءة لسمعة الأطباء وتعريض المرضى للخطر، وقال فتوح في حوار سابق لدوت مصر: "إن تلك هي أكبر فضيحة علمية طالت المجتمع المصري لدرجة أن سمعة الطبيب المصري اليوم صارت في الحضيض".
مع مرور يوم 30 ديسمبر الماضي، أعلن إخصائي أمراض الكبد المشارك بلجنة عمل الجهاز، جمال شيحة، قائلا: "ليس هناك وقتا محددا للإعلان عن نجاح العلاج الجديد"، وهو ما يعني أن العلاج قد يتم تأجيله لموعد غير مسمى.
وأضاف دكتور شيحة أن جهاز علاج "فيروس سي"، هو بحث علمي، من الممكن أن يستغرق وقتا طويلا، مؤكدا حقيقة أنه "أي بحث من الممكن أن يستغرق سنة أو اثنتين أو ثلاثة "، ورغم مرور التصريح وسط ما نعاني منه اليوم من آلاف الأخبار التي تحظى بالأولوية، إلا أن التصريح نفسه أثار تساؤلا شديد الأهمية.
بعد التصريح السابق، سارع المحامي والمذيع، خالد أبو بكر، بالتقدم بـ"بلاغ للنائب العام المصري"، مطالبا منه فتح تحقيق رسمي لـمحاسبة المقصر في عدم الإعلان عن تفعيل استخدام جهاز علاج "فيروس سي والإيدز"، التابع للقوات المسلحة، لأنهم أوهموا البسطاء من المرضى بأمل الشفاء، وفقا لبلاغه.
التحقيق لم يتضمن محاسبة المسؤولين من الأطباء، ومدى التزامهم بشرف المهنة وبقسم الطبيب، وهو ما أشار إليه عضو نقابة الأطباء، محمد فتوح، في التدوينة التالية:
كان عضو فريق اللواء عبدالعاطي، الطبيب أحمد مؤنس، طرفا في نزاع قضائي مع عضو نقابة أطباء القاهرة، محمد فتوح، بسبب تقدم الأخير بشكوى للجنة القيم بالنقابة، لفتح تحقيق حول الأضرار التي سببها ترويج الأول لعلاج اللواء عبدالعاطي، فما كان من مؤنس سوى الرد برفع دعوى سب وقذف، متهما فتوح بالتشكيك في مكانته العلمية.
وبينما ينتظر الدكتور فتوح الحكم في قضية السب والقذف، التي تم تأجيلها ليوم 27 يناير الجاري، قرر نقل معركته القضائية مع أستاذ أمراض الكبد، أحمد مؤنس، نقلة نوعية، وصفها بالفعل الإيجابي، حيث أعد بمساعدة عدد من الخبراء القانونيين عريضة دعوى، تلزم نقابة أطباء مصر بالتدخل القضائي لمحاسبة كل من تورط في الإعلان والترويج عن جهاز علاج فيروسات الكبد والإيدز.
داعيا عموم المواطنين للتوقيع على عريضة الدعوى، تمهيدا لتحويلها إلى مطلب شعبي، قد يفتح الباب أمام مساءلتهم قضائيا، وقد لاقت الدعوة رواجا شعبيا في اليومين الماضيين، خاصة مع نحت المصريين لمصطلح جديد على غرار "فضيحة ووترجيت" الأمريكية، لوصف المراحل التي مر بها جهاز اللواء عبدالعاطي، حيث صار اليوم يعرف فيما بينهم، بفضيحة "الكفته-جيت".
الإعلامي المصري، ومدير إذاعة "بي بي سي" العربية السابق، حسام السكري، قد يكون أول من استخدم مصطلح الـ"كفته-جيت" على "فيس بوك"، لوصف الاختراع، حيث كتب يوم الأحد 4 يناير، مقالا دعا فيه لكسر حالة الصمت، مطالبا المسؤولين بمصارحة الرأي العام، حول حقيقة اللواء فني معامل، إبراهيم عبدالعاطي، قائلا:" إن حالة الصمت الرسمي تلك قد تضرب الاصطفاف الوطني التي يحظى بها الرئيس السيسي".
وحتى الآن ينظر جموع المصريين بعين الجوع والعطش لنصف السيخ المملوء، منتظرين تلك اللحظة التي يتم الكشف فيها عن تعميم علاج الجهاز الجديد، بينما السؤال المطروح: "هل ستشهد الأيام المقبلة مزيدا من ردود الفعل حول جهاز علاج فيروسات الكبد والإيدز؟، أم سيظل اللواء عبدالعاطي وجهازه ثقب أسود يخفي أهم اكتشاف علمي مصري في العصر الحديث؟".