التوقيت الثلاثاء، 05 نوفمبر 2024
التوقيت 03:35 م , بتوقيت القاهرة

حمدي غيث.. هذا ما جناه «قلب الأسد» على أخيه عبد الله!

في الساعة التاسعة صباح الثلاثاء 7 مارس 2006 بمستشفى عين شمس التخصصي، فاضت روح حمدي غيث إلى بارئها عن عمر يناهز 82 عاما إثر تكالب المرض عليه، وكان طبيعيًّا جدا أن تُشيع جنازة الفنان والمخرج والأستاذ المسرحي الكبير بعد صلاة العصر من مسجد المسرح القومي، والذي صال فيه وجال خلال عمر من الإبداع المتفرّد تاركا بصمته الخاصة والتي فاضت عن خشبة المسرح لتترك لمستها المختلفة في الدراما التليفزيونية والسينمائية.


يبقى للجثمان جولة أخيرة حتى يستريح إلى الأبد إلى جوار الأحباب، جولة تأخذه إلى قرية كفر شلشلمون بمركز منيا القمح بمحافظة الشرقية، حيث مثواه الأخير بجوار أبيه وأمه، وقطعة روحه وقلبه ورفيق المسيرة أخيه الأصغر عبد الله غيث. رحلة انتظرها طوال 13 عاما، منذ أن فُجع في عبدالله، فُجع فيه كابن من أبنائه، فجيعة أورثته همًّا وكربًا لا يتبددان، أدخلته في حالة نفسية صعبة. لطالما اعتبر حمدي أخاه عبد الله ابنه وفلذة كبده، رغم أنه كان يكبره بسبع سنوات فقط، فُجع في عبدالله الذي كان يملأ الشاشة الفضية يومئذ إبداعا وتألقا في دوره الذي لا ينسي، ومن ينسى "علوان" في مسلسل "ذئاب الجبل"، لم يحسب لهذه اللحظة حسابها، هل مات عبدالله فعلا؟


مات عبد الله غيث خلال تصوير مسلسل ذئاب الجبل


كانوا أبناء عز، أسرة ثرية تمتلك مئات الأفدنة أرسلت ابنها إلى لندن لدراسة الطب في جامعة كامبريدج، ومع بوادر اشتعال الحرب العالمية الأولى يعود الابن بعد عامين إلى قريته في إجازة، وينشغل بأداء دوره العائلي متمثلا في العمودية "المقدسة" ويتناسى الطب في ظل الحرب المشتعلة، يتزوج وينجب خمسة أبناء، أكبرهم حمدي، وأصغرهم عبدالله، يموت الأب الشاب فجأة ويتهدد الأسرة أخطار عديدة تستدعي انتقالهم للقاهرة للعيش في كنف جدهم بمنطقة الحسين، خاصة أن الابن الأكبر لم يتجاوز سبعة أعوام والأصغر ما زال في "اللفّة".


كان حمدي مفطورا على الالتزام والتفوق الدراسي، كان رجل الأسرة المنذور لتحمل المسؤولية، وقد برع فيه تماما، القدوة التي يشار إليها بالبنان، لدرجة دراسته للمحاماة على غير هواه، درسها نزولا على الواجب الأسري الذي يقضي بذلك، حتى ولو كانت ميوله تهفو نحو الفن والتمثيل، لذلك جولاته الأخرى، وقد كان، درس وابتعث لدراسة المسرح والفنون في فرنسا، وعاد ملء السمع والبصر، عاد ممثلا ومخرجا ومدرسا في المعهد العالي للفنون المسرحية، وبدا أنه أصبح متحققا في مجاله، إلا أن الواجب الأسري والعائلي يناديه ويصيبه في أعز من يحب.


أخوه الأصغر عبدالله فاشل في دراسته، فاشل تماما، يتهرب من الدراسة إلى دور السينما والمسارح، تناديه الحياة الحرة المنطلقة من أي قيود، تسيطر عليه تماما حياة الفلاحين الهادئة في القرية، يبدو مرتبطا بأرضهم في شلشلمون، خلال إجازاتهم الصيفية يعيش كفلاح "قراري" بالجلابية والزي البلدي ويخالط الفلاحين و"يعزق" الأرض بفأسه، وبعد حصوله على الثانوية بصعوبة تطوع لرعاية مصالح الأسرة في البلد الريفي، وعاش "عمدة" للقرية، إلا أن عبد الله كان يتوق أيضا للفن، "إن لم أكن فلاحا سأكون فنانا!"، وجاءت الكرة في ملعب حمدي غيث، ألم  يكن عبد الله يرافقه في موقع التصوير وفي الكالوس ويقلده، فليكن فنانا إذا، ليس ادعاءً، فأخوه يتمتع بملامح مصرية أصيلة منحوتة وثقافة واسعة ومخارج حروف صحيحة بل ويتقن التحدث بالفصحى، لديه حقا الموهبة التي لا بد أن ينميها بالدراسة، نعم الدراسة والقيود التي يكرهها ويمقتها. يلتحق عبد الله غيث بتشجيع أخيه الأكبر بمعهد الفنون المسرحية ويدرس على يد أخيه أيضا وينطلق كالسهم.


يبوح عبد الله غيث بفائض محبته لأخيه القدوة والأب والمعلم، ويقول: "رغم أن فارق السن بيني وبين حمدي ليس كبيرا، نحو ست سنوات، إلا أنه كان بمثابة الأب بالنسبة لي، هو من حببني فى الأدب، لأنه سبقني للقراءة، وهو من حببني فى المسرح والفن، لأنه ارتاد المسارح قبلي، وكان أستاذا لي على المستوى الأكاديمي، وكان أول من قدمني للجمهور، أحجم المخرجون عن إسناد أدوار لي اعتقادا منهم بأنني دخلت الفن بواسطة أخي، ودون موهبة حقيقية، ولكنه أصر على تقديمي، وكان أول عمل لي مسرحية «تحت الرماد»، وعلى الرغم من صغر دوري، إلا أنني نجحت فيه، وبعدها كتب عني النقاد الكبار، وأشادوا بموهبتي".


برع عبد الله غيث في أداء دور حمزة بفيلم الرسالة


يشعر حمدي غيث بالاعتزاز بالنفس وقد كُللت جهوده بالنجاح، فأخوه "الفاشل دراسيا" ينال الآن حظا وافرا من النجاح، مع كل دور يؤديه ينال الإشادات تلو الإشادات، وتأتي لحظة اختبار صعبة ومصيرية أرّقت عبد الله وضغطت على أعصابه، لحظة تحدٍ لموهبته وقدراته التمثيلية، بل كانت لحظة تحد شخصية للأخ الأكبر حمدي غيث، لحظة فارقة يرقبها من قرب، يصفها عبد الله غيث: "كنت خائفاً من فكرة التنافس مع الفنان العالمي أنطوني كوين، خاصة أننا كنا نقدم نفس الدور، شخصية سيدنا حمزة بن عبد المطلب عم الرسول صلى الله عليه وسلم، بنفس المشاهد في فيلم «الرسالة» للمخرج مصطفى العقاد، ومضيت إلى الكاميرا والأرق ينتابني"، كان الأخ الأكبر حمدي غيث، حاضرا يرقب المشهد من قرب، كان يؤدي شخصية أبو سفيان في الفيلم نفسه، كان ينتظر بصبر وتوتر.


المخرج مصطفى العقاد مع بطلي فيلم الرسالة


وما إن انتهي عبدالله غيث من أداء دوره في فيلم "الرسالة"، حتى هنأه أنطوني كوين، قائلاً: "أنت أفضل مني، ولو كنتَ فى أوروبا أو أمريكا لكان لك شأن آخر" ، وأيدته النجمة اليونانية إيرين باباسالتي، والتي قدمت دور هند بنت عتبة في النسخة الإنجليزية من الفيلم، قائلة إن عبد الله غيث فنان عالمي على مستوى عال. كان جديرا بحمدي غيث "قلب الأسد" أن يهتف في أبوة وحنان وارتياح من أدى واجبه وسدد دينه، بصوته المسرحي العارم يهتف: "هذا ما جنيته على أخي".


حمدي غيث من فيلم الناصر صلاح الدين


سامية جمال.. ورقة يانصيب عند المأذون تربح مع «الدنجوان»


شيرين عبد الوهاب.. مبررات ساذجة لتحضير "سد الحنك"


محمود الجندي.. "فنان فقير" أقلع عن الضحك!