من "مصنع السكر" لـ "كشكش بيه".. محطات في حياة نجيب الريحاني
اشتهر الفنان نجيب الريحاني، بشخصية "كشكش بيه" وكوميديا "الفرانكو-آراب"، واللتان مثلا خطوات فارقة في حياته الفنية بعدما عاني كثيرا في حياته ما بين العمل الجاد من أجل المال والحياة الكريمة، وما بين لوعته بالفن والتمثيل، وفي الذكري الـ 129 لمولد الريحاني، يرصد "دوت مصر" أهم مراحل حياته الفنية ومعاناته .
مولده ونشأته
ينتمي نجيب أبو إلياس ريحانة، لأب عراقي وأم مصرية، وولد في القاهرة بحي باب الشعرية، وأتقن الريحاني اللغة الفرنسية، حيث تلقى تعليمه في مدرسة الفرير الفرنسية بالقاهرة، التي تجلت بها موهبته التمثيلية المبكرة، فإنضم لفريق التمثيل المدرسي واشتهر فيه بموهبة الإلقاء للشعر العربي، وكان ولع بالمتنبي وأبو العلا المعري وقراءة الأعمال الأدبية والمسرحيات الفرنسية.
وعلي الرغم من شغفه بالمسرح، إلا أنه بعد إتمام دراسته وحصوله علي البكالوريا، عمل موظفاً بالبنك الزراعي، وتعرف فيه على المخرج الشامي عزيز عيد، ونشأت بينهما صداقة متينة جمعتهما حول حب المسرح والتردد على الفرق المسرحية، إلى أن حصلا على وظيفة "كومبارس" بدار الأوبرا، ثم فرقتهما الميول، فكان عيد يميل للكوميديا ويحاول تطويرها، بينما كان الريحاني قليل الاهتمام بالكوميديا ويقدر قيمة التراجيديا .
"لم تجد إدارة البنك إزاء هذه الحالات الصارخة إلا أن تستغني عن عملي. وأي عمل يا حسرة؟ هو أنا كنت بشتغل؟!" كلمات الريحاني عن فصله من عمله بالبنك، حيث كان يتغيب عن العمل كثيراً لارتباطه الشديد بالمسرح، وبعد فصله تفرغ للمسرح فعمل في فرقة سليم عطا الله، من خلال تقديم دور ثانوي في مسرحية "شارلمان" ولاقى نجاحا مبهرا في ليلة الافتتاح مما أثار حقد البطل وهو سليم العطار، مدير الفرقة، فقرر فصله.
"فضيحة شركة السكر"
ويروي نجيب الريحاني على استحياء، في مذكراته الصادرة عن دار الهلال بعنوان "مذكرات نجيب الريحاني" أنه بعد مرور 7 شهور من عمله بالشركة، حدث ما عكر صفو حاله، يقول: "كان باشكاتب الشركة رجلا مسنًا، وكان رحمه الله على نياته، وكان مسكني مواجها لمسكنه وقد ولدت هذه الجيرة بيننا اتصالا وثيقا".
ويستطرد: "كانت حرم الباشكاتب، على جانب كبير من الجمال، وكانت في سن تسمح لها بأن تكون ابنته لا زوجة، وفى ليلة من ليالي الشهر السابع له في الشركة، اضطر الباشكاتب إلى السفر لمصر في مهمة عمل، فحدث أن اتفق "الريحاني" والزوجة على ألا تغلق باب المنزل، حتي يستطيع المرور في منتصف الليل".
افتضاح أمره وفصله من العمل
ويضيف الريحاني "حان موعد اللقاء فتسللت وما أشد دهشتي حين وجددت الباب موصدا اتجهت إلى منفذ في السقف (منور) تدليت منه، ولكن الخادمة استيقظت في نفس اللحظة،وظنتني لصا يسطو على المتاع، فصرخت بصوتها المنكر، وصحا الجيران ووفد الخبراء وألقي القبض علي،وكانت فضيحة اكتفوا عقبها بفصلي من عملي،فعدت إلى محلي المختار في قهوة الفن بشارع عبد العزيز".
لم يعد لنجيب مجال في البيت بعد فصله من شركة السكر، لأن والدته كانت قد ضاقت به بسبب سعيه الدائم للفن وعدم استقراره في الوظائف، فأقفلت بابها دونه ليقضي 48 ساعة لم يذق خلالها للأكل طعما لا زهدا منه، ولا أسفا على شيء، ولكن لأنه لم يجد وسيلة يكتسب بها ثمن لقمة العيش.
"كشكش بك" واستيفان روستي
"استيفان روستي" سبب التغير في حياة الريحاني، فبعد أن مر الريحاني بالعديد من المراحل في حياته الفنية مع صديقة عزيز عيد وانفصل عنه، جاءه روستي الذي حالفه الحظ بعد انفصاله عن فرقة عزيز عيد، حيث وجد عملًا بملهى "الأبيه دي روز" بتقديم تمثيلات خيال ظل، فطلب منه الريحاني أن يجد له عملاً معه في الملهي، وبعد فترة قرر أن يترك الريحاني العمل في الملهي.
"كشكش بيه" شخصية ابتكرها الريحاني من تجاربه مع عُمد الريف الذين التقى بهم كثيراً أثناء عمله بالبنك الزراعي، حيث كانوا يترددون عليه لِلحُصول على قُروض، بعد فقدهم أموالهم أو تعرُّضهم للاحتيال في المدينة، على أن تُسدد القُروض بعد عودتهم إلى قُراهم أو تُقيَّد كدينٍ يُخصم من ثمن محصول السنة التالية.
فخطرت للريحاني أن يقدم شخصية عُمدةً عجوز شهواني، محبوبٌ لِطيبته وسذاجته ومرحه وشغفه بالحياة، يرتدي الجبَّة والقفطان والعمامة، وفد حديثًا من الريف إلى القاهرة وبجُعبته الكثير من المال، فالتفَّ حوله فريقٌ من الحِسان أضعن ماله، وتركنه مُفلسًا، فيعود إلى قريته يصاحبه الندم، ويُقسم بأن يعود إلى رُشده، وألَّا يعود إلى ارتكاب ما فعل، فهو إنسانٌ فيه براءة الريفيين وخفَّتهم الفطريَّة، وعلى الرُغم من مكره ودهائه إلَّا أنَّهُ بريءٌ من زيف المدينة وخداعها ونفاقها.
"تعالي لي يا بطة" أول مسرحية كتبها وأخرجها الريحاني بشخصية كشكش، وعرضها في ملهي "الأبيه دي روز" ولاقى افتتاح المسرحية استحسان الجمهور فرفع صاحب الملهي أجر الريحاني وقرروا أن يخرجوا مسرحية جديدة كل أسبوع، فأخرج بعدها مسرحيَّتيّ «بِستَّة ريال» و«بُكره في المشمش»، وسُرعان ما ذاعت أنباء هذه المسرحيَّات وتهافت الناس على مُشاهدتها، ممَّا دعا لرفع أجر الريحاني .
السينما في حياة الريحاني
بعد النجاح الكبير الذي حققه الريحاني في المسرح، اتجه للسينما ليقدم 10 أفلام، اشهرها فيلم "صاحب السعادة كشكش بيه"، و"حوادث كشكش بيه" و"ياقوت أفندي" و"لعبة الست"، وكان فيلم "غزل البنات" هو آخر أفلامه حيث أصيب بمرض التيفود، الذي كان سببا في وفاته في 8 يونيو 1949.
اقرأ أيضًا..
من "جواب غرامي" لـ"حضن من أول نظرة".. مراحل تطور "الحب" في الدراما