التوقيت الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024
التوقيت 08:37 ص , بتوقيت القاهرة

وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة.. "دورا مار" ملهمة بيكاسو

عام 2006، بيعت لوحة للرسام الإسباني بابلو بيكاسو، مقابل 95.2 مليون دولار، محققة بذلك ثاني أعلى عائد لعمل فني في مزاد، حسب ما أعلنت دار مزادات "سوثبي" العريقة. كانت تلك هي لوحة "دورا مار والقطّ Dora Maar au Chat"، التي تمثل صديقة بيكاسو وملهمته أواخر عقد الثلاثينيات.


اللوحة التي أنجزت عام 1941 (طول 130 سنتم وعرض 97 سنتم)، تعد من أجمل اللوحات التي رسمها الفنان الإسباني. وتظهر دورا مار في اللوحة مرتدية ثوبا أحمر وأزرق، مرصعا بلآلئ سوداء وبرتقالية، وهي جالسة على كرسي، معتمرة قبعة كبيرة ويداها ممددتان على مسندي الكرسي، وأظافرها نافرة وزرقاء، وخلفها على أعلى الكرسي، يقبع قطّ أسود صغير.



ولدت بباريس عام 1907، تحت اسم هنريت ثيودرا ماركوفيتش، لأسرة ذات أصول يوغسلافية وفرنسية وأرجنتينية، وقضت فترة من مراهقتها في الأرجنتين، وجسّدتها لاحقا في أعمالها المصوّرة.


في شتاء 1935، تعرّفت إلى بيكاسو في مقهى سان جيرمان (كان بيكاسو يبلغ من العمر 54 عاماً في حين كانت مار في الـ28 فقط)، وتعمل مع المخرج الفرنسي جان رينوار، وقدمها الشاعر بول إيلوار، وعندما بدأ بيكاسو بالتحدّث إليها، أجابته بالإسبانية التي كانت تتقنها. وهكذا بدأت قصّة العشق، التي ستنتج العديد من اللوحات الخالدة.


قام بيكاسو باختطافها سريعا لنفسه، متأترا بشعرها الأسود وعينيها السوداوين ولسانها الإسباني، حتى أصبحت ملهمته وموديلاً حديثا للوحاته الفنية، التي تحتل اليوم أروقة المتاحف العالمية.



كانت دورا مار مصوّرة وفنّانة موهوبة وشاعرة، بالإضافة إلى كونها إحدى عشيقات بيكاسو وملهماته الكثيرات، كانت تجلس معه لساعات يتحاوران ويتناقشان، وأخذته إلى عوالم جديدة، وشجّعته على دخول تجربة التصوير وتعلم الطباعة مع مان راي.


أنيقة، تهوى اعتمار القبعات التي كانت تتحوّل بريشة بيكاسو إلى أشكال عدة ترواح بين الفكاهة والبارودي Parody. إلا أنّها بقيت أبداً في عيني بيكاسو "المرأة التي تبكي" كما رسمها في عام 1937. وقال في إحدى المرّات: "لسنوات رسمتها بأشكال مشوّهة، لكن ليس من باب السادية أو المتعة.، لم أكن أستطيع سوى تجسيد الصورة التي حفرت في مخيلتي، وكان هذا الحزن حقيقة كامنة في أعماق دورا".


ويذكر أن مار ضاقت من تقلباته المزاجية واتخاذه عشيقة جديدة، وعانت انهيارا عصبيا بسبب تدهور العلاقة بينهما، ما استدعى زيارتها للعلاج على يد الطبيب والفيلسوف الفرنسي جاك لاكان.


المرأة الباكية



في أيام أوروبا السوداء (1944 ـ 1935) حيث الموت والخراب يأكل العالم، غرق بيكاسو في حزن دائم، حتى وجد ملهمته التي استعار بها صورة أوروبا المنكوبة بوحشية أبنائها.


"لقد رسمت امرأة تبكي ليس يوما واحدا بل سنوات، وهذا ما تفعه الحرب فينا. فلست كما يعتقد الآخرون أهوى عذاب الآخرين، بقدر ما وهبني بذخها (مار) العاطفي والحسّي الخيط الذي أصل إليه، لينقدني من اليأس ويغطيني بهالة من الدفء النادر".


لم تثن السنوات الخمسون بيكاسو عن الوقوع في حب ملهمته، حتى أحس بيكاسو بأنه عثر على منجم من الذهب، "منذ لقائي الأول بدورا، أخدت أشعر بأنني أمام منجم. مئات اللوحات التي أخرجتها لم تكن إلا من إلهام دورا، ولو لم تظهر في حياتي لكانت لوحة (جورنيك) عملاً فنيا عاديا".


الفتاة وريثة الانفصال الجغرافي (تنشأتها في الأرجنتين وحياتها في فرنسا، الفنانة المتشظّية بين حساسيات عدة: الرسم والشعر والفوتوغرافيا، المتمردة على نفسها، المليئة بالشغف والعصيان والفتنة، لوّنت حياة بيكاسو التعيس وأعطتها الزخم اللازم، لإرساء صورة الفنان العظيم.


من الأعمال الفوتوغرافية لدورا مار