التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 01:47 م , بتوقيت القاهرة

عادل كامل.. "الحرفوش" الذي هزم كفاح نجيب محفوظ

أمام لجنة التحكيم تستعرض موهبتك وتحاول أن تبهر الثلاثة المخضرمين بالإبداع الذي تقدمه، وفجأة يضغط أحدهم على قرص صغير يصدر صوتًا يعبر عن استياءهم مما تفعله، هذا المشهد إذا كنت تشاهده أسبوعيًا في برامج المواهب، أو كنت ممن رُفض حلمه في البدايات، تلك ليست النهاية، مثلما تصورها عادل كامل، الأديب المبدع الذي تفوق على نجيب محفوظ.


في منتصف ثلاثينات القرن الماضي، تخرج عادل كامل من كلية الحقوق، تفرغ للكتابة والأدب، ونشر على نفقته الخاصة مسرحيات "فئران المركب"، و"ويك عنتر" و"شبان كهول"، إضافة إلى القصص القصيرة التي نشرت في مجلة ثقافية اسمها "المقتطف"، بينما أخفق نجيب محفوظ كلما حاول نشر رواياته في الصحف، بما فيها الصحف غير المعروفة، فكان يكتب ويضع ما يكتبه في الدرج انتظارًا للفرج، حتى اشترك برواية "رادوبيس" في مسابقة "قوت القلوب الدمرداشية"، وحصل على جائزة تقدر بـ40 جنيهًا، اقتسمها مع علي أحمد باكثير، الفائز عن راوية "سلامة".
ملك من شعاع


تعرف نجيب محفوظ على عادل كامل، عام 1943، حينما تقدما لمسابقة مجمع اللغة العربية، وكانت النتيجة إشادة من لجنة التحكيم برواية كامل "ملك من شعاع"، التي تستند إلى قصة الملك إخناتون في التاريخ الفرعوني، حصل على الجائزة الأولى، بينما جاءت رواية "كفاح طيبة" التي تعود للعصر الفرعوني أيضًا، في الترتيب الثاني، في هذا اليوم التقيا لأول مرة، وعرض كامل على نجيب الحضور للقاء أسبوعي مع صديقه أحمد مظهر، والتي عرفت فيما بعد تلك الجلسات باسم "شلة الحرافيش".


قال المخرج توفيق صالح: "ربما لا يعلم كثيرون أن "الحرافيش" لم تبدأ بنجيب محفوظ ولكنها بدأت بالأديب عادل كامل المحامي، والفنان أحمد مظهر، وتعارفا عام 1936 في أثناء سفرهما على ظهر مركب متجه إلى برلين للمشاركة في دورة الأولمبياد، مظهر بصفته بطل فروسية وكامل ممثلاً لطلبة الجامعات المصرية، تصادق الاثنان واتفقا على الالتقاء كل خميس ومناقشة أحد الكتب في كل مرة، وفي بداية الأربعينيات تعارف عادل كامل ومحفوظ فانضم إليهما، لكنها بدأت تبتعد عن فكرة الصالون الثقافي وتأخذ طابعاً أكثر حميمية يختلط فيه العام بالخاص".


كان رأي نجيب محفوظ في عادل كامل، أنه الأديب الوحيد في جيله الذي يمكنه التفرغ للأدب، فقد كانت أحواله المادية مستقرة، وكان يمتلك سيارة خاصة في وقت كان عدد السيارات الخاصة في القاهرة محدودًا.


بعد ذلك قرر الأديب عبد الحميد جودة السحار، إنشاء "لجنة النشر للجامعيين"، لطبع الأعمال الفائزة للكتاب الشباب في ذلك الوقت عادل كامل، نجيب محفوظ، علي أحمد باكثير، يوسف جوهر.  وأصبح أدباء هذا الجيل أو "الحرافيش" يلتقون في مقاهي القاهرة.
مليم الأكبر


عام 1944، تشجع الفائز بالمركز الأول في العام الفائت عادل كامل، للتقدم بروايته "مليم الأكبر"، لمسابقة مجمع اللغة العربية، بينما تقدم نجيب محفوظ بروايته "السراب"، وكانت المفاجأة حجب الجائزة عنهما، وكان وراء ذلك القرار منصور باشا فهمي، عضو المجمع وكاتب السر، لأنه رأى أن رواية عادل كامل تنتصر لليساريين، بينما النص الأدبي لنجيب محفوظ ركز على الجنس، وهو أمر غير مقبول في المجتمع الشرقي، وكان رد فعل نجيب هو الاستمرار في التقدم للمسابقات الأدبية، وتقدم لوزارة المعارف برواية "خان الخليل"، لكن عادل كامل اتخذ طريقًا أخر.


تشكك عادل كامل في الأدب وقيمته، خرج المحامي يدافع عن الأديب، وعقد أول مرافعة في مقدمة روايته "مليم الأكبر"، انتقد ساخرًا لجنة "مجمع اللغة العربية"، وبالأخص توفيق الحكيم، في صورة حوار ساخر بين الراوي وبطل القصة "مليم"، هاجم كامل الكتاب الذين يعيشون على مفردات انتهت منذ ألف عام، واعتبر كتب التراث العربي مادة للتسلية قبل النوم، وطالب بتصحيح دور الأدب، وقد احتفى المثقفون بتلك المقدمة، واعتبرها الروائي خيري شلبي، أهم بيان حداثي في تاريخ الأدب العربي.


لم يكتف كامل بالمقدمة فقط، أكمل ثورته الاحتجاجية باعتزال الأدب عام 1945، وأخذ يشكك في دوره حتى أن نجيب قال: "لو أن كلامه أثر فينا تأثيرا حاسما لكنا جميعا هجرنا الأدب مثله"، بعد ذلك توجه عادل كامل للمحاماة، وعمل وكيلًا لأعمال ثري لبناني كان يمتلك الكثير من العقارات في الخمسينات، بينما محفوظ دؤوب على الكتابة والمجد الأدبي، حتى حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1988، ما جعل كامل يقول نادمًا: "الآن فقط أعلن أنني أخطأت حين توقفت عن إكمال مشروعي الأدبي"، وفقًا لرواية الدكتور زكي سالم في كتابه " نجيب محفوظ.. صداقة ممتدة".
الحل والربط


اختفى عادل كامل من الحياة الأدبية، ومع ذلك ظهرت محاولات للعودة، قدم "المسرح الحديث" في الستينات مسرحيته "ويك عنتر"، بعد تغيير اسمها إلى "عنتر وانجه"، وفي السبعينات كتب المعالجة السينمائية لفيلم "البعض يعيش مرتين"، عن عالم آثار تتجسد روحه بعد الوفاة في جعران ملكي، وفي التسعينات حاول العودة للحياة الأدبية، ونشرت له دار الهلال عام 1993 روايتي "الحل والربط" و"مناوشة على الحدود" في كتاب واحد يحمل اسم الحل والربط، لكنهما لم تجدا الصدى المناسب.


في الستينات، عقد الناقد الأدبي رجاء النقاش مقارنة بين كامل ونجيب، في مقال نشر عام 1964، في صحفية الجمهورية، بعنوان "بين الحلم والكابوس"، محاولا تفسير سبب توقف كامل عن الكتابة واستمرار محفوظ، رغم تشابه بدايتهما، وخلاصة هذا المقال أن كامل كان من الحالمين، تصور أنه يستطيع تغيير المجتمع بكتاباته، وعندما لم يجد الصدى المناسب، قرر الانسحاب، بينما محفوظ كان يدرك مفردات الواقع الاجتماعي، هو "كابوس" تغييره يحتاج إلى زمن كبير، لهذا استمر في الكتابة عكس الحالم "عادل كامل"، يختلف معه المخرج توفيق صالح، الذي كان يرى أن سر انصراف كامل عن فن الرواية، رغبته في تحقيق الثراء المادي.


توفي عادل كامل، في 10 يناير 2005، قبل عام ونصف من وفاة أديب نوبل نجيب محفوظ (30 أغسطس 2006)، وكأن القدر جعل ترتيبهما في الرحيل مشابه لبدايتهما الأدبية.


مصادر: صفحات من مذكرات نجيب محفوظ، أحلام فترة النقاهة، رواية مليم الأكبر.