التوقيت الثلاثاء، 24 ديسمبر 2024
التوقيت 02:34 ص , بتوقيت القاهرة

في ذكرى العرض الأول لـ"الحريف".. "فارس" لا يزال بيننا

كتبت- فاطمة نبيل

ثلاثون عامًا بالتمام والكمال تفصلنا عن العرض الأول لفيلم "الحريف" في سينما "ميامي" بوسط القاهرة، الذي كتب له السيناريو "بشير الديك" عن قصة لمخرجه "محمد خان". يعلم عُشاق السينما المصرية، أنه كان من المفترض أن يلعب دور البطولة الراحل "أحمد زكي"، لكن خلافا وقع بينه وبين "خان"، ليحل محله نجم شباك تلك المرحلة "عادل إمام"، ويبقى "زكي" في الفيلم بصوته، كي يقدم لنا مفتتحه بقصيدة لـ"أمينة جاهين".

استمع إلى القصيدة:




يبدأ الفيلم بصوت أنفاس بطله "فارس" المتلاحقة، الذي لم يتعب أبدا من الجري وراء الأحلام، كان يحلم أن يصبح لاعب كرة قدم في إحدى النوادي المهمة، لكن وجد نفسه لاعبا في دوري الشوارع، يقوده سمسار أعرج، يتغذى من أقدام هواة لعب الكرة وصرخات مشجعيهم.



كان يحلم أن يصبح زوجا وأبا، لكن طبيعته الحادة غير المسئولة لا تتفق وأعباء الحياة الأسرية؛ ضرب زوجته حتى أحدث بها عاهة مستديمة، فأصرت على الانفصال، ومضت في طريق مشروع زواج جديد. يفشل في حب زوجته، ولا يجد أمامه إلا جارته العاهرة الفقيرة، أو زميلته في العمل الباحثة عن الإشباع العاطفي والجنسي، فيفشل معهما. كان يحلم أن يصبح عاملا في مصنع، لكن جموحه وتمرده لا يتناسبان مع واجبات العامل. يعيش في وسط المدينة حيث توجد عمارات الأثرياء، لكن على "السطوح" حيث يوجد من هم على شاكلته.



حتى والدته، لا يجد الوقت أو الرفاهية ليحزن عليها كما يريد، ويمنعه محيطه عن حزنه، والده مقتنع أن جميع البشر سيموتون، وعلينا تجاوز ذكرى الراحلين، وجارته مقتنعة أن الحياة قصيرة وعلينا تجاوز أحزان الأحياء. في هذه الظروف يعود إلى زوجته المتوجسة من هوسه القديم بالكرة، والحياة المتمردة. هي تحبه، لكن ليس حبا يصمد أمام الفقر أو الضرب. يغار عليها، وزواجها المحتمل بشخص آخر يمثل كابوسا شنيعا له، يوشك على ضرب العريس المنتظر ويمنعه عنه كبر سنه، فـ"فارس" لم يدخل معركة غير متكافئة أبدا.




"فارس" هو ابن مرحلة الثمانينات، بكل ما فيها من فشل أو نجاح بائس لا يحتسب، يترك الكرة إلى غير رجعة، أو هكذا يَعِد من حوله، ليعمل مع زميله السابق، بعد أن أدرك أنه أصبح أكبر سنا من أن يكون لاعب كرة في الشارع، أو ربما أدرك أن هناك جيلا جديدا من لاعبي الشوارع عليه أن يفسح له مجالا.



ثلاثون عاما تفصلنا عن العرض الأول للفيلم، لكن "فارس" لا يزال بيننا، ربما تراه في مقهى شعبي رخيص يروي للجالسين ذكرياته عن ميدان "عبد المنعم رياض" الذي كان يهتز باسمه حينما يحرز هدفا، أو ربما نراه عاملا بلغ من الكبر عتيا ولا يزال يعمل بيده لأنه لم يستطع أبدا الإخلاص لعمله، أو ربما نراه صاحب عمل رأسمالي صغير كوّنه خلال فترة عمله بالتهريب لكنه لم ينسَ بعد هوايته الأولى.

المشهد الأخير من فيلم الحريف