جدتي هزمت مؤسس "فيسبوك" في لعبة التواصل الاجتماعي
"ذكريات الطفولة.. ولم الشمل"
انتظر بفارغ الصبر انتهاء الفصل الدراسي، وحلول موعد الإجازة السنوية، اشتياقًا لرؤية جدتي وأخوالي المغتربين للعمل بالخارج، بجلسات "لم الشمل" التي تعقدها جدتي من ناحية أمي بالبيت الكبير بالبلدة الريفية في هذا التوقيت من كل عام، وما أن يحل الموعد نذهب جميعًا لركوب سيارتنا والذهاب إلى المطار استقبالًا لأقاربنا المسافرين ونذهب بهم إلى بيت العائلة، لأقضي العطلة الكبيرة وسط أرحامي.
"ليت الزمان يعود يومًا"
أفضل ما قضيته من أوقات حياتي كان في تلك الأيام الماضية، فما أن استيقظ باكرًا وأهم من على السرير الخشبي القديم الذي يشبه في تصميمه أثاث الأمراء، أسمع نداء جدتي المحببة إلى قلبي علي لأتناول فطور القشدة والعسل والجبن والفطير المشلتت، ثم أذهب مع أخوالي لزيارة أراضيهم المحيطة بالبيت، وعند عودتنا أبدأ في البعث بمقتنيات جدتي القديمة التي ورثتها عن أبيها وأمها، حتى يحين موعد الغذاء، الذي يليه جلسة حكاوي مع الكبار أمام المنزل أسفل قضيب السكة الحديد، والتي يتخللها حفل شواء الذرة الذي لم أتذوق في مثل طعمه أبدًا.
"رحيل الجدة.. وانفلات عالمها"
أفعال كثيرة ممتعة لم يبق لي منها سوى الذكرى، فقد انتهت تلك العادات منذ ما يقرب من 16 عامًا عند وفاة جدتي، التي آثرت في نفسي برحيلها، فعندما انتقلت للدار الآخرة وقفت حينها أمام قبرها وعيناي تنزف بالدموع ولا يشغل بالي سوى سؤالين الأول أيَقنت إجابتهما تمامًا في نفسي وهما: "من أشكو إليه قسوة والداي ليكون ملجأي؟"، والأخير: "هل ستستمر جلسات "لم الشمل" بعد وفاتها؟".
السؤال الثاني كان الأكثر مني إدراكًا عند الكبر، فما خال لي وقتها من إجابة هو ما وقع بالفعل، فالبيت الكبير لم يُعقد فيه جلسة واحدة منذ وفاتها، بل كان هناك مشهدًا أكثر قسوة فأذكر منذ بضع أعوام، عندما عاد أحد أخوالي من السفر وأراد زيارة البيت واتجه لفتح البوابة في الوقت الذي مر فيه القطار ورنينه يدوي، لم تقدر المفاتيح على أن تتمكن من الأقفال، ما دعانا للبكاء والرحيل دون أن ندخل إلى البيت.
"جيل رحل بعاداته"
ربما كانت القصة السابقة هي أمر شخصي، ولكنه مكرر بكثير من العائلات والأسر، وهو ما يمثل رسالة بأن قدرة التواصل الاجتماعي والحفاظ على صلة الرحم، أمر لم يقدر عليه أحد حتى الأن، خاصةً مع التطور العلمي والتكنولوجي الذي نشهده يومًا تلو الأخر، فأضحى كل منا منشغل بحاله أكثر من انشغالنا بتواصلنا حتى مع أقرب الآقربين.
طالما كانت جدتي ومن بجيلها، لديهم قدرة خارقة على جمع العائلات والأصدقاء، ربما كان السبب أن الجميع كان يحترم تعليماتهم وفقًا لما كانت عليه العادات، وهو الأمر الذي فشل به الجميع حتى " مارك زوكربيرج" مؤسس موقع الـ"فيس بوك".
"العصر الحديث يسقط أمام تقاليد الشيوخ"
رغم أن الهدف الرئيسي لتأسيس "فيس بوك" هو تعزيز التواصل الاجتماعي بين الأشخاص، إلا أنه مع تطوره وزيادة مستخدميه، أصبح شأنه هو التفارق الاجتماعي، فالجميع الأن يكتفي بالاتصال بغيره عبر "فيس بوك"، لاستخدامه بديلًا عن اللقاءات الاجتماعية.
حتى وإن كان نية مؤسس "فيس بوك"، هي تعزيز الاتصال بين الناس وبعضهم، إلا أنني أجزم أنه فشل في ذلك، ولعل السبب وراء ذلك هو تغير كل شئ من حولنا وخاصةً العادات والتقاليد والأخلاق التي كانت الناس تتحلى بها في عصر أجدادنا.