فيلم (Darkest Hour) والواقع المصري !!
"ليس لدي ما أقدمه .. سوى الدماء، والكدح، والدموع، والعرق"
اختطفتني هذه العبارة من مقعد السينما، وقذفت بي إلى قلب شاشة عرض فيلم Darkest Hour الذي جسد مؤخراً شخصية رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، على نحو شائق من خلال أداء النجم المبدع جاري أولدمان من استحضر بحرفية شديدة تفاصيل هذه الشخصية المثيرة للجدل، فالعبارة التي تردد صداها بين أرجاء قاعة مجلس العموم "قصر ويستمنستر" في 13 مايو 1940م مثلت حينها "برنامج حكومة" صادماً، مفزعاً، يحمل قدراً كبيراً من المكاشفة، حيث قرر "تشرشل" كسر القواعد المألوفة في "خطاب الثقة" على النحو الذي أدهش النواب وأثار حفيظة أعضاء حزبه.. فقد رأى ألا يمد يده بالزهور لشعب يترقب بهلع دنو ذخائر الآلة العسكرية النازية التي كانت تجتاح أوروبا.. فكيف له أن يقدم وعوداً حول المستقبل، بينما هو إذا أخرج يده لم يكد يراها، من فرط العتمة وشدة المحنة.
"ما أشبه اليوم بالبارحة".. وما أقرب ما فعله تشرشل بالنهج الذي تسلكه الدولة المصرية منذ عام 2013 حتى الآن، حيث فضلت أن تنحي مساحيق التجميل جانباً، لتضع الواقع أمام مرآة الحقيقة، كي يرى الرأي العام الصورة كاملة بكل ما بها من فرص وتحديات دون زيف أو رتوش، باعتبار ذلك الضمانة الوحيدة ليصبح المواطن شريكاً رئيسياً في عملية التحدي وجهود البناء.
«سنحارب ونقاتل، وستزداد ثقتنا، وتغمرنا قوتنا، سندافع عن أرضنا مهما كان الثمن، لن نستسلم أبداً، وسنؤدي واجباتنا، ونتحمل سوياً، وسيقول الرجال يوماً ما، أن تلك اللحظة هي أروع اللحظات التي مرت بهم».. رئيس الوزراء البريطاني- ونستون تشرشل
هذه المصارحة من جانب الدولة شكلت في واقع الأمر رهاناً على وعي الجماهير الذي باتت مؤشرات قياسه غاية في الصعوبة في وطن يموج بالمتغيرات المتسارعة، وأثير يزدحم بتدفقات من الرؤى والأفكار التي تساهم بدورها في تشكيل هذا الوعي ربما أكثر مما يفعل الخطاب السياسي ذاته. وربما شكلت المصارحة أيضاً رهاناً على ثقة هذه الجماهير في القيادة السياسية التي صاغت بأيد وطنية خارطة الطريق لإنقاذ الوطن من نفق الفاشية الدينية المظلم، والتي تدير اليوم بتوازن دفة الوطن لمواجهة الأخطار الأمنية المحدقة، وتحقيق النمو الاقتصادي، والتنمية الشاملة.
لم يسعى "تشرشل" حينها لمنع أصوات طبول الحرب العالمية الثانية من أن تبلغ مسامع شعبه، كما لم يرد أن ينسج ستائر هشة من الطمأنينة سرعان ما تتهتك على وقع قذائف غارات الطيران الألماني، وانما واجه الشعب بالحقيقة وتبني شعار علامة النصر (V) الذي رسمه باصابعه وارتبط به تاريخياً، فكانت النتيجة دحر الخطر النازي بفضل احتشاد الشعب وثقة البرلمان.. وعلى ذات النهج، رأت الدولة المصرية أن تشخيص المرض والاعتراف به أولى خطوات الشفاء، فرفضت مداعبة أحلام البسطاء بوعود تحمل النشوة الزائفة، وفضلت أن يعرف المواطن دوماً كل ما يمكنه معرفته، فالمواطن في نهاية الأمر هو الجندي الذي يواجه الإرهاب، والعامل الذي يدير تروس الإنتاج، والمزارع الذي يحرث الحقل والزرع، والإعلامي الذي يساهم في تشكيل الوعي، وهم جميعاً في خندق واحد يتصدون بقوة وحسم لكل ما يحاول التأثير على عزيمتهم وينال من إرادتهم.
لم تكن العبارة الذي استهللت بها المقال وحدها من اختطفتني من السيرة المرئية لهذا السياسي البريطاني المخضرم، حيث اختتم "تشرشل" حديثه في خطاب الثقة قائلاً: "سنحارب ونقاتل، وستزداد ثقتنا، وتغمرنا قوتنا، سندافع عن أرضنا مهما كان الثمن، لن نستسلم أبداً، وسنؤدي واجباتنا، ونتحمل سوياً، وسيقول الرجال يوماً ما، أن تلك اللحظة هي أروع اللحظات التي مرت بهم"... ولعل الرسالة تكون قد وصلت، سندافع عن أرضنا، ونتحمل واجبتنا، ولن نستسلم.
المقال يعبر عن رأي كاتبه فقط ولا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع
*المزيد من مقالات الكاتب
الإرهاب.. والرمق الأخير !!
رسائل الرئيس المنصفة: شريف إسماعيل
سباق رئاسي على صفيح ساخن
خليك في البيت... خليك انت !!