"الفتنة الكبرى" لطه حسين..لماذا تصدر الأكثر مبيعا فى معرض الكتاب..؟
في كتابه "ماذا يبقى من طه حسين" يستعرض الناقد الكبير الراحل غالي شكري، الحقيقة الساطعة الكبرى التي نعرفها وتعرفها أجيال عديدة، تالية، وسابقة، وهي فضل عميد الأدب العربي التاريخي، أنه فتح آفاقا للتراث العربي القديم، كما كان له فضل كبير فى الدراسات الإسلامية، بعث فيها تاريخنا، ومعارك نضالنا، بعثا جديدا لا يعتمد على الخرافة، ولا على التزوير، بخاصة في كتابيه "على هامش السيرة" و"الفتنة الكبرى".
الخبر الذي تاه تقريبا وسط الكثير من الأخبار والأحداث الثقافية التي تزاحمت في أنشطة معرض القاهرة الدولي للكتاب، كان الاهتمام الفائق من المصريين وجمهور المعرض، بشراء كتاب الفتنة الكبرى لطه حسين، الصادر في طبعة جديدة عن مشروع مكتبة الأسرة هذا العام، في طبعة زاهية، من جزئين.
وعلى الرغم أن رئيس هيئة الكتاب، هيثم الحاج علي، كان قد أعلن في بيان صحفي مبكرا وسط فعاليات دورة المعرض، أن الفتنة الكبرى لطه حسين من بين الكتب التي حققت رواجا هائلا في الأسبوع الأول من المعرض، ثم عاد – هيثم الحاج علي- ليكرر في حفل ختام المعرض أن الكتاب حقق ألفي نسخة مبيعات، إلا أن الكثير من الموضوعات الصحفية انصرفت عن تحليل هذه الظاهرة، وتوقفت أمام سلبيات، أو إيجابيات المعرض، بينما لم يتوقف كثيرون أمام أسباب اهتمام المصريين بهذا الكتاب.
يرصد عميد الأدب العربي في كتابه "الفتنة الكبرى" المنشور عام 1952 لأول مرة- بعض الدراسات تقول أن الكتاب بجزئيه صدر عام 1953- أحداثا بالغة الدقة من التاريخ الإسلامي، ألا وهي أحداث صراع الفتنة التي شهدها عصر ثالث الخلفاء الراشدين وامتد أثرها إلى عصر علي بن أبي طالب، وفي الجزء الأول من الكتاب الذي عنونه طه حسين "عثمان" يقول عميد الأدب العربي: عاش قوم من أصحاب النبي حين حدثت هذه القضية وحين اختصم المسلمون حولها أعنف خصومة عرفها تاريخهم، فلم يشاركوا فيها، ولم يحتملوا من أعبائها قليلا ولا كثيرا، وإنما اعتزلوا المختصمين، وفروا بدينهم إلى الله، وقائل سعد بن أبي وقاص: لا أقاتل حتى تأتوني بسيف يعقل ويبصر وينطق فيقول: أصاب هذا وأخطأ ذاك.
عاش قوم من أصحاب النبي حين حدثت هذه القضية وحين اختصم المسلمون حولها أعنف خصومة عرفها تاريخهم
ولعل من أسباب جاذبية هذا الكتاب للأجيال التي أقبلت على اقتناءه بغزارة، أن من بين ما يناقشه طه حسين في الكتاب، العدل، وما وفرته الأنظمة السياسية لمواطنيها من طرق لتحقيق الحرية، والكرامة، محاولة في سبيلها لذلك تفادي الظلم والجور، يقول طه حسين في الصفحات الأولى من الكتاب: هذا النظام القويم هو الذي حاولت الخلافة الإسلامية لعهد أبي بكر وعمر أن تنشئه، فمات أبوبكر ولم يكد يبدأ التجربة، وقتل عمر وقد خطا بالتجربة خطوات واسعة، لكنه لم يرض عنها أولا، فقد روي عنه أنه كان يقول في آخر خلافته: لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لأخذت من الأغنياء فضول أموالهم فرددتها على الفقراء" فقد رأى عمر إذن أنه لم يبلغ من تحقيق العدل الاجتماعي ما كان يريد، فكيف ولم يعرف المسلمون ولا غير المسلمين أميرا حاول من العدل ما حاول عمر، وحقق منه ما حقق عمر.
يستعرض غالي شكري في كتابه "ماذا يبقى من طه حسين" المنشور عام 1974 في بيروت عن دار المتوسط، الظروف السياسية والاجتماعية التي عمد فيها عميد الأدب العربي إلى كتابة ونشر كتابه "الفتنة الكبرى".
يقول غالي شكري: لعل المستوى الرفيع الذي بلغته دراسات طه حسين الإسلامية، من أهم الشواهد التطبيقية على منهجه، وقد كانت الفترة الواقعة بين معاهدة التهادن عام 1936 وبداية الحرب العالمية الثانية عام 1939، تسجيل نهاية جيل النهضة، فإن كان ذلك تعبيرا فكريا عن إفلاس الليبرالية المصرية، ونهاية الديموقراطية البرجوازية التي حمل شعلتها حزب الوفد، وفي هذه الفترة يبغي النظر إلى التحول الاجتماعي لجيل الرواد إلى الإسلاميات، أنني لست مع القائلين أن هذه الموجة كانت ردة رجعية، فذلك تبسيط مبتذل للأمور، إن عبقريات العقاد وسلسلة أحمد أمين، و"على هامش السيرة" و"الفتنة الكبرى" ليست انتكاسا فكريا من زاوية المنهج، بل هي في إطارها الأكثر علمية وحداثة من طلاسم السلفيين المليئة بالخزعبلات وقد أدت دورا إيجابيا في حياة قراء الدين، والمهتمين عموما بالتاريخ الإسلامي.
يؤكد غالي شكري وفقا للسطور السابقة، أن اتجاه طه حسين لكتابة "الفتنة الكبرى" وغيرها من الأعمال التي تطرقت لسيرة التاريخ الإسلامي، عبر سياسا عن تخاذل البروجوازية المصرية عن إنجاز ثورتها الوطنية، فقد كان توقيع الوفد على معاهدة 1936 – وفقا لغالي شكري- بمثابة إسدال الستار على الفصل الأول التراجيدي من نضال جديد في المجتمع هو نضال الطبقات الشعبية، التي صهرتها تجربة 1919.
وإذا كانت هذه هي الظروف السياسية والاجتماعية التي صدر فيها الفتنة الكبرى، فلماذا عاد الاهتمام الكبير إلى اقتنائه عام 2018؟
هذا الاهتمام البالغ من جمهور معرض الكتاب لقراءة واقتناء الكتاب، يرجع للنهم للتاريخ، ولتقصي أسباب الفتن، كما يقول الدكتور هيثم الحاج علي، المشرف التنفيذي على مشروع مكتبة الأسرة، الذي تحدث لـ"دوت مصر"، عن أسباب اختيار المشروع الذي يرأسه الدكتور حسين فوزي، لطبع الكتاب، ومنها رغبتهم في نشر عناوين مهمة، ومؤثرة، ومن بين اختيارات مشروع مكتبة الأسرة كان كتاب "الفتنة الكبرى" لطه حسين بجزئيه .
ويكشف هيثم الحاج علي أن مشروع مكتبة الأسرة الذي انطلق عام 1994، اتجه لنشر الأعمال في مختلف المجالات الأدبية والعلوم الاجتماعية، والعلمية، والفنون، وغيرها، بنسبة 30% من إصدارات الهيئة المصرية للكتاب، و70% من إصدارات دور النشر الأخرى.
ويشير هيثم الحاج علي، إلى أنه طرح هذه المرة نشر أعمال من سلسلة أقرأ، مقترحا هذه الفكرة على لجنة مكتبة الأسرة، التي يرأسها الدكتور فوزي فهمي، وحصلوا فعلا على 18 عنوانا، منها "صوت أبو العلاء" لطه حسين، و"جميل بثينة" لعباس محمود العقاد، و"العشاق الثلاثة" للدكتور ذكي مبارك، و"ابن عمار" لثروت أباظة، و"قنديل أم هاشم" ليحي حقي، و"ثم غربت الشمس" لسهير القلماوي" و"الجمعيات السرية" لعلي أدهم.
يلفت رئيس الهيئة العامة للكتاب، إلى أن اختيار هذه العناوين للنشر فى مشروع مكتبة الأسرة هذا العام، لكونها عناوين مهمة ومؤثرة فى المكتبة العربية، كما أن طرحها بهذا السعر سيضمن رواجها، علاوة على أن حجمها أشبه بقطع الجيب، مما يسهل حملها، واصطحابها لقراءتها خلال المواصلات العامة مثلا، وهو ما حقق لها هذا الرواج.
يقول هيثم الحاج علي عن أسباب إقبال القراء على شراء الفتنة الكبرى لطه حسين: الكتاب من جزئين، أحدهما سعره 6 جنيهات ونصف الجنيه، وهو ما يشي بجاذبية سعره للشراء، على الرغم من إتاحة الكتاب للتحميل على الانترنت، كما أن هناك سببا آخر نفهمه من الإقبال الشديد عليه، ألا وهو تعطش الأجيال الحالية للقراءة عن تلك الفترة من التاريخ الإسلامي، التي شهدت صراعا لم تزل آثاره باقية حتى الآن، هناك أيضا سبب آخر، أن القراء مشغولون بإعادة قراءة التاريخ.
يذكر هيثم الحاج علي، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، أن أحد أجزاء الفتنة الكبرى حقق مبيعات 1950 نسخة، فيما حقق الجزء الآخر 1905 نسخ، بإجمالي أربعة آلاف نسخة تقريبا.
اقرأ أيضا
أندية الكتب فى القاهرة..ذائقة جديدة تُفرض على الأدب..أم استدعاء لتقليد الصالونات الأدبية