حكايتي مع "السيسي" الذي خيب ظني
أحمد قنديــــــــــل
منذ ما يقرب من 4 سنوات، لم يكن حالي كما هو الآن، فنعتني أقاربي وأساتذتي وقتها بالشاب الثائر، المتحمس والطائش، فقد كان عقلي لا يدور به سوى الجدال، ولساني لا يكف عن الاعتراض على الجميع، خاصةً بشأن الأحداث الدائرة بالوسط السياسي والتغيرات المتتالية، فلم يكن هناك ما يعجبني من حال ولا يروق لي أي شخص.
لديّ شجاعة كافية للقول إن خوض المشير عبدالفتاح السيسي للانتخابات الرئاسية السابقة لم يكن متوافقًا مع أهوائي، وهو ما جعلني أمنع نفسي عن التصويت نهائيًا لصالح أي من المرشحين، وهو الأمر الذي سبب لي العديد من المشاكل العائلية، لما تحمله أسرتي من حُب كبير له ودعم هائل لنزوله بالانتخابات السابقة.
علاقتي المعرفية بالرئيس السيسي وقتها، لم تكن سوى مجرد أحاديث أسمعها من أهلي عن أهمية أن يصبح رئيسًا لحماية البلاد من الانهيار إثر التعرض لمؤامرات جماعة الإخوان الإرهابية، فضلًا عن حكاوي رئيس عملي عنه والذي كان يشيد به أمامي محاولًا إقناعي بأنه أفضل من يكون رئيسًا، وأحيانًا كان يطُلب مني مازحًا أن أؤدي التحية العسكرية أمام صورته التي كان يعلقها على جدار صالة التحرير.
كل تلك الأمور لم تمثل لي دافعًا قويًا لانتخاب السيسي رئيسًا، فقد كانت ثرثرة بعض الزملاء في أذني أكثر قبولًا لعقلي الذي لم ينضج وقتها، إضافة إلى حلمي بأن يكون ذراع الرئيس المنتظر مشدود العضلات كفاية حتى يخرج كنوز الأرض بضربه من كفه، ويقسمها على أبناء وطنه، أما عن الأمور الاقتصادية الحقيقية للدولة مثل الدين الداخلي و الخارجي والموازنة العامة والصادرات والواردات، كنت أراها مسائل معقدة، ولا تحمل تأثيرًا معنيًا على معيشة المواطن.
جلسة ودية مع صديق من كبار الأساتذة في الشأن الاقتصادي، كانت كافية لأن تغير مسار تفكيري تمامًا، فعندما جذبني هذا الرجل الراشد للحديث عن الحال السياسي الاقتصادي في مصر، فاجأني ببعض الأسئلة التي عجزت معرفتي عن الإجابة عليها، أيقنت وقتها أنني جاهل، ولا يحق لي أن أقيّم رئيسًا، أو حتى أختار واحدًا.
ذلك النقاش لم يمر مرور الكرام، بل كان دافعي للتعلم المبدئي وتوسيع معرفتي إلى حد ما، وحتى أُرضي ضميري المعارض آن ذاك، ذهبت للاشتراك بدورة اقتصادية بإحدى الجامعات الدولية الكبرى التي لا يعرف عنها الإنصاف لأي قيادة سياسية.
وخلال تلك الدورة التعليمية التي مر عليها أكثر من عامين، والتي دارت محاضراتها حول الحوكمة الرشيدة والإصلاح الاقتصادي – ودون الدخول في تفاصيل معقدة - وجدت أن خطط الإصلاح لأي دولة تشبه مصر تتمثل في عدة نقاط، أبرزها: "الشفافية، والهيكلة الإدارية لأجهزة الدولة، ومكافحة الفساد، وتشجيع الاستثمار وسن قوانين اقتصادية، وإلغاء السوق الموازية للعملة الصعبة، ودعم المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وتشجيع الادخار، وإلى جانب كل هذا إقرار بعض الإجراءات القاسية التي تخص الدعم".
كان هذا هو أبرز ما قدمه إلينا الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال فترة توليه، إلى جانب إقراره العديد من الإجراءات لحماية محدودي ومتوسطي الدخل، وهو ما جعلني الآن الاعترف بكل شجاعة، مكررًا بأنني كنت مخطئًا، أن السيسي خيب ظني السابق، وأنني ولأول مرة أذهب فيها بالتصويت لصالح مرشح، سيكون صوتي له بكامل إرادتي بالانتخابات المزمع عقدها في شهر مارس القادم، وسيكون لساني داعيًا لانتخابه، وأرجو من كل شاب في مثل سني متحمسًا وثائرًا ومعارضًا، أن يحكم عقله قليلًا، وأن يضطلع كفاية على خطط الإصلاح الاقتصادي، وأن يسأل جيدًا عن ملامح مستقبلنا، قبل أن يذهب لمقر لجنته الانتخابية.