إلى ذات النقاب الأسود.."بدعة أم شرع"؟ فتنة الصراع بين الأزهر والسلفية
"العبرة ليست بالحجاب المادي مهما يكن صفيقًا ومانعًا، وإنما العبرة بالحجاب المعنوي والخلقي وهو حجاب الضمير المراقب لله عز وجل، هذا هو الحجاب الحقيقي" جملة كتبها الشيخ الأزهري الراحل الغزالي حرب، وهو يعترض على التشدد بشأن كشف الوجه، والذي كان يطلق عليه حينذاك حجابًا وليس نقابا قبل تطور شكله الحالي.
استقلال المراة فى الإسلام
نتذكر كلماته في كتابه "استقلال المرأة في الإسلام"، ونحن نمر على فتنة النقاب التي تتجدد بين الحين والآخر بين الأزهر والسلفيين، لتبرز الصراع الدائر على مدار السنوات الماضية بين تيار التنوير والتشدد.
وعلى الرغم من مرور سنوات طويلة على كلمات "الغزالي حرب" إلا أن ما كتبه يستحق أن نستعيده ونحن نقرأ كيف يفكر العصر الذي نزعم أنه كان حاضنًا للجهل والتشدد، لنقرأ جمال وروعة ما كتبه، حيث يواصل معركته مه النقاب: "إذا كان إدناء الجلابيب وضرب الخمر على الجيوب ما كان يميز الحرائر الشريفات عن الجواري البغايا في ذلك العصر – عصر الحرائر والجواري – فإن لكل عصر أوضاعه الاجتماعية وأزيائه الملائمة، التي تخضع لعوامل المناخ والطقس والطبيعة والعرف والعادة والظروف والملابسات وقد انتهى عصر الحرائر والإماء - ولن يعود - وما علينا إلا أن نتخذ من الأزياء ما يليق برجالنا ونسائنا في عصرنا".
لا ينتهي الحنين إلى كلمات الشيخ "الغزالي حرب"، ولكن كلماته التي عكست النظرة العميقة لزي المرأة التي كانت مرهونة بالعصر الذي تواجدت فيه، مازالت محل جدل وصراع، كلما أثيرت قضية النقاب في السنوات التي لاحقته.
شيوخ الأزهر بدورهم واجهوا هذا التشدد في كثير من التصريحات التي مثلت للسلفيين قنابل موقوتة، كانت تدفعهم إلى تجييش مواقعهم الإلكترونية، للحرب على شيوخ الأزهر، فبدلا من الدخول في مناظرات فكرية، كان يلجأ السلفيون إلى الهجوم على الأزهر ليصفه بـ"المفسدة".
أحمد الطيب في مواجهة فتنة النقاب
الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، كان ضمن أوائل الشيوخ الذين تصدوا إلى فتنة النقاب، وهو يؤكد في تصريحات سابقة أنه ليس فرضًا ولا سنة.
تصريحات "الطيب" لم تقف عند هذا الحد، ولكنه أثناء توليه رئاسة جامعة الأزهر قال إن النقاب لم يرد به أي نص قرآني أو حديث نبوي، وليس مباحًا أو فضيلة، بل هو عادة ، مستطردًا: "أجمع الفقهاء أن كشف الوجه والكفين جائز شرعًا"، مؤكدًا في الوقت ذاته إلى التزام الجامعة بقرار مجمع البحوث الإسلامية بحظر ارتداء النقاب داخل قاعات الدراسة وفي الامتحانات بالنسبة للطالبات.
الدكتور الراحل محمد سيد طنطاوي، شيخ الأزهر الأسبق، كان من أشهر الشخصيات الأزهرية التي تصدت للنقاب، ليدخل حيز الحرب المشتعلة مع السلفيين، بعد واقعة إجباره طالبة على خلع النقاب أمام الجميع، حيث واجهها: "النقاب مجرد عادة لا علاقة له بالدين الإسلامي من قريب أو بعيد"، فخلعت الطالبة نقابها أمام إصرار شيخ الأزهر، ثم طلب منها "طنطاوي" عدم ارتداء النقاب مرة أخرى طوال حياتها، فقالت إنها تقوم بارتدائه حتى لا يراها أحد، فرد منفعلًا: "قلت لك إن النقاب لا علاقة له بالإسلام وهو مجرد عادة، وأنا أفهم في الدين أكتر منك".
منع النقاب في الجامعات
وبعد تلك الواقعة أعلن "طنطاوي" قرارا رسميا بمنع ارتداء النقاب داخل المعاهد الأزهرية، ومنع دخول أي طالبة أو مدرسة المعهد مرتدية "النقاب".
وواجه السلفيون هذا القرار بهجوم كبير، ونظموا عددًا من المظاهرات داخل المعاهد الأزهرية لرفض القرار، ودشن عددًا كبيرًا من شيوخ السلفية منابرهم الإعلامية لقيادة الهجوم على الأزهر.
وتصدر أبرز تلك المنابر السلفية التي هاجمت شيخ الأزهر الأسبق موقع "صوت السلف" التابع لتيار الدعوة السلفية بالإسكندرية، الذي أفرد عددًا من المقالات للدفاع عن النقاب تحت شعار "حرب الحجاب".
هذا إلى جانب "صوت السلف"، و"موقع أنا السلفي"، و"شبكة طريق السلف"، وتوحدت تلك المواقع حول الهجوم على شيخ الأزهر وكانت معظم ردودها عليه تستند الى هدايته وهى تدور حول جملا ثابته:"يا شيخ الأزهر.. متى تتقي الله؟ ألا تستحي؟
كما قام ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، بشن هجوم كبير على شيخ الأزهر، في أحد الفيديوهات التي نشرها على موقع "أنا سلفي" وهو يصف خطواته أنها تجرؤ وفساد عجيب الشكل - على حد زعمه -
لتمتد فتنة النقاب التي لم تهدأ عند معركة "طنطاوي"، بل اشتعلت نيرانها وامتدت لأزهريين كثر، واجهوا مزاعم السلفيين حول فرضية النقاب، وكان في مقدمتهم الدكتور محمود حمدي زقزوق، وزير الأوقاف الأسبق، الذي أعلن أن النقاب ليس من الإسلام بشيء، وهي عادة يهودية، وطبع «زقزوق»، إبان توليه وزارة الأوقاف، كتيبات وجرى توزيعها على المساجد، يحرم فيها ارتداء النقاب.
وهو ذات الرأي الذي سانده فيه الدكتور نصر فريد واصل، والذي أكد خلاله أن النقاب ليس فرضًا أو واجبًا إلا في الضرورة، وأن وجه المرأة وكفيها باتفاق كل الأئمة في القديم والحديث ليس بعورة، موضحًا أن ارتداء النقاب لا يتعلق بالعبادة ولا يؤمر بتركه أو العمل به إلا للضرورة ولدرء الفتن.
"جمعة" على خط المواجهة مع السلفيين
ومن ناحيته، أكد مفتي الجمهورية السابق، الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية الأسبق، أنه من المقرر شرعًا أن الحجاب هو فرض إسلامي ورد الأمر به نصًا في القرآن الكريم وفي السنة النبوية، أما النقاب الذي يستر الوجه فالصحيح أنه ليس واجبًا، وأن عورة المرأة المسلمة الحرة جميع بدنها إلا الوجه والكفين فيجوز لها كشفهما وهذا مذهب جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية.
وواجه تلك التصريحات الشيخ تامر صلاح، الداعية السلفي، الذي أكد اختلاف العلماء في وجوب تغطية الوجه والكفين من المرأة أمام الأجانب، فمذهب الإمام أحمد والصحيح من مذهب الشافعي، يرى أنه يجب على المرأة ستر وجهها وكفيها أمام الرجال الأجانب، لأن الوجه والكفين عورة بالنسبة للنظر، ومذهب أبي حنيفة ومالك، يقول إن تغطيتهما غير واجبة، بل مستحبة، لكن أفتى علماء الحنفية والمالكية منذ زمن بعيد أنه يجب عليها سترهما عند خوف الفتنة بها أو عليها، والمراد بالفتنة بها: أن تكون المرأة ذات جمال فائق.
اقرأ أيضا
نقاب "الراقصة والإرهابي" من "بديع وحجازي" إلى "شيما".. "كله عنده ظروف"
إلى ذات النقاب الأسود.. هوليوود لها ظروف أخرى
دعوى قضائية لإلزام المنتقبات بالحصول على تصريح مسبق من الداخلية