"بريطانيا vs فرنسا".. خصما الماضي يتنافسان على إفريقيا والشرق الأوسط
انتهت الحربان العالميتان الأولى والثانية، لتخلقا تشكيلًا جديدًا للمجتمع الدولي، فها هي الأمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، تتراجع لحدود جزيرتها، فتتحول بريطانيا العظمى لذكرى في سطور كتاب الامبراطوريات العظمى في التاريخ، وقد سبقتها منافستها اللدودة، الامبراطورية الفرنسية، بعد أن استباحها نابليون إبان الحرب العالمية الثانية، لتظهر قوتان جديدتان بدلًا منهما، الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، ويغزوا كلًا منهما العالم الجديد بطرق أحدث من الاستعمار العسكري الذي انتهجتاه الامبراطوريتان السابقتان.
بريطانيا العظمى، كانت تجوب مستعمراتها وقواتها العالم، وكانت أبرز المناطق في الهند والشرق الأوسط، الذي تم تقسيمه لدول جديدة تخضع للنفوذ البريطاني، عقب انتهاء الخلافة العثمانية، أما فرنسا فكانت أبرز مستعمراتها فى إفريقيا، وبعد عقود من الزمن، عادت كلًا من بريطانيا وفرنسا للسباق من أجل استعادة نفوذهما في مستعمراتهم القديمة، حيث تتجه أنظار فرنسا على أيدي إيمانويل ماكرون نحو إفريقيا، وبريطانيا تجاه الشرق الأوسط.
قائمة المستعمرات الفرنسية في إفريقيا
كان لفرنسا قرابة 17 مستعمرة في إفريقيا، وانتهى عصر الاستعمار في ستينيات القرن الماضي، وتبدأ بشمال أفريقيا، وضمت المغرب (1912-1956)، 89% من أراضي المغرب كانت تحت سيطرة الفرنسيين، بينما البقية كانت تحت سيطرة الأسبان، الجزائر (1830-1962)، تونس (1881-1956)، جنوب الصحراء الكبرى، فرنسا أفريقيا الاستوائية الفرنسية (1910 – 1958)، جمهورية أفريقيا الوسطى (1889-1960)، تشاد (1895-1960)، جمهورية الكونغو (1891-1960)، الجابون (1843-1960)، فرنسا غرب أفريقيا الفرنسي (1895 – 1958)، بنين (1895-1960)، بوركينا فاسو (1898-1960)، غينيا (1893-1958)، ساحل العاج (1895-1960)، مالي (1857-1960)، موريتانيا (1900-1960)، النيجر (1897-1960)، السنغال (1626-1758، 1779-1809، 1817-1960)، توجو (1919-1960)، الكاميرون (1919-1960).
فرنسا تتجه إلى إفريقيا مجددًا
بدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الإثنين الماضي، جولة إفريقية تعد الأولى له تشمل بوركينا فاسو وساحل العاج وغانا، واستمرت لمدة 4 أيام، بهدف تطوير العلاقات الفرنسية الإفريقية وإعادة إحياء العلاقات المتوترة بسبب حقبة الاستعمار، وقد سبق ذلك زيارة تاريخية في مايو الماضي إلى مالي وهي أول زيارة له إلى الخارج منذ توليه الرئاسة، من أجل إعطاء بعد جديد للالتزام العسكري لفرنسا الموجودة منذ أربع سنوات لمكافحة الجهاديين في هذا البلد.
وجدد ماكرون التزام بلاده في مكافحة المجموعات الجهادية في منطقة الساحل عسكريًا، لكنه يريد أن يبدي رغبة في مجال التنمية، وقد أعلن أن الوكالة الفرنسية للتنمية خصصت أكثر بقليل من 470 مليون يورو من المساعدات للمنطقة للسنوات المقبلة لمواكبة هذا الجهد العسكري.
الاستعمار الأوروبي وعصر الإملاءات
في 28 نوفمبر الماضي، توجه إلى بوركينا فاسو، وتعهد بإنهاء الإملاءات الفرنسية على إفريقيا، مؤكدًا أنه سيركز جهوده على تعزيز العلاقات بين أوروبا والقارة السمراء.
وقال ماكرون خلال زيارته لبوركينا فاسو، الثلاثاء الماضي: "أنا لست من الجيل الذي يأتي ليقول للأفارقة ما يفعلونه، أنا من الجيل الذي يعتبر فوز نيلسون مانديلا بالنسبة إليه من أفضل الذكريات السياسية، أنا لن أقف إلى جانب هؤلاء الذين يقولون إن القارة الإفريقية مصدر الأزمات والمعاناة، أنا سأكون مع هؤلاء الذين يؤمنون بأن إفريقيا ليست قارة مفقودة أو قارة يجب إنقاذها".
وفي خطاب ألقاه أمام 800 طالب في جامعة واغادوغو فى بوركينا فاسو، قدم الرئيس الفرنسي نفسه كممثل لجيل فرنسي يعتبر أن جرائم الاستعمار الاوروبي لا جدال فيها، مؤكدًا أنه سيقترح مبادرة أوروبية إفريقية لضرب المنظمات الإجرامية وشبكات المهربين، التي تستغل مهاجري إفريقيا جنوب الصحراء في ليبيا.
اللغة الفرنسية خلفًا للإنجليزية
التنافس بين فرنسا وبريطانيا ليس على النفوذ فقط، بل وصل للغة أيضًا، حيث يطمح ماكرون بأن تكون اللغة الفرنسية الأولى عالميًا وأن تخلف اللغة الإنجليزية حاليًا، لذا فقد طالب برفع مكانة اللغة الفرنسية لتكون اللغة الأولى في العالم، لأنها لغة "جذابة"، وبحسب صحيفة "ديلي اكسبريس"، قال ماكرون "اللغة الفرنسية لا تنتمي لفرنسا فقط، الفرنسية ستكون لغة إفريقيا الأولى وربما العالم كله قريبًا".
بريطانيا العظمى تعود للشرق الأوسط
غادرت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي لندن مساء الثلاثاء الماضي، متوجهة إلى الشرق الأوسط، في زيارة تاريخية شملت السعودية والأردن والعراق وعمان، وأعلنت فيها استثمار 10 ملايين جنيه لتنمية قدرات العراق في مجال مكافحة الإرهاب ومنع الإرهابيين من استغلال الإنترنت.
وجاءت تلك الزيارة في إطار مساعيها لتعزيز علاقات بريطانيا، وعقدت خلالها العديد من الصفقات الأمنية والتجارية وقدمت عددًا من المساعدات والمنح الاستثمارية لتلك الدول، بالإضافة للتطرق لأزمات الشرق سواء سوريا واليمن وغيرها.
#تيريزا_ماي تعلن خلال زيارتها إلى #العراق:
— ???????? وزارة الخارجية (@FCOArabic) November 29, 2017
- استثمار 10 ملايين جنيه لتنمية قدرات العراق بمجال مكافحة #الإرهاب
- العمل مع الشركاء بالمنطقة لتطوير قدرات مكافحة التهديد من المقاتلين الأجانب
- منع الإرهابيين من استغلال الإنترنت@UKinIraq pic.twitter.com/P0yKEaAdZv
لم تكن زيارة ماي هي الأولى للسعودية والأردن، فقد زارتهما فى أبريل الماضي في زيارة رسمية استمرت يومين، لبحث العلاقات بين الرياض ولندن، وعقدت خلالها مزيدًا من الصفقات العسكرية مع المملكة التي ارتفعت في الآونة الأخيرة إلى 400 مليار.
تشهد بريطانيا الآن مسارات أستانا وجنيف وسوتشي في سوريا، دون أن يكون لها حضورًا مؤثرًا أو كلمة مسموعة في هذا المجال، وهذا ما أكده المحلل السياسي عريب الرنتاوي فى تقرير نُشر على وكالة "سبوتنيك" الروسية.
جولات بالشرق لاستعادة الحضور
وبحسب التقرير، فالجولات تساعد في تجديد هذا الحضور، لكن الحضور بحاجة إلى أدوات، وبحاجة إلى اقتصاد قوي، وبريطانيا تواجه مشكلة جدية الآن بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وبيّن التقرير، أن حضور بريطانيا كدولة عظمى يتآكل، وأن اللاعبين الدوليين في مسرح المنطقة برمتها اليوم هم روسيا والولايات المتحدة، فضلًا عن اللاعبين الإقليميين الكبار، لكنه يؤكد "أن هذا لا يعني أن الدول تنكفئ وقادتها يجلسون وراء مكاتبهم هم يحاولون المضي قدمًا".
وأضاف المحلل السياسي عريب الرنتاوي، أن "العنوان الأبرز لزيارة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي للسعودية والعراق والأردن، هو تجديد الحضور البريطاني في المنطقة"، ويسهب أكثر في الإيضاح "أن تيريزا ماي شخصيًا غارقة في ملف ضعف قيادتها وقاعدتها الحزبية والانتخابية" واصفًا أن بريطانيا "انكفأت نسبيًا عن المنطقة أو تضاءل دورها، إذ لا حضور جاد لها لا في الأزمة السورية ولا العراقية ولا اللبنانية ولا في اليمن"، ومن هنا يعتبر أنها "تسعى في الحقيقة لتجديد هذا الحضور، عبر إعادة علاقاتها مع دول العالم ومناطق العالم المختلفة ومن بينها الشرق الأوسط، وذلك على قاعدة أن بريطانيا هي الخارجة من الاتحاد الأوروبي وليست جزءًا منه".
علاقات تاريخية مع العرب
وقال الكاتب والمحلل السياسي عبد الباري عطوان في تصريحات نقلتها DW عربية، إن بريطانيا جزيرة صغيرة ولديها عقدة نفسية كونها جزيرة وهذا ما يدفعها لتضع قدمًا في الولايات المتحدة وقدمًا أخرى في أوروبا، وأضاف "تعتبر بريطانيا نفسها أنها تربطها علاقات تاريخية وتجارية وسياسية وحتى نفسية بالعرب وبالذات دول الخليج، التي تشكل المخزون المالي الأكبر لها، فهناك أكثر من 60 مليار دولار من الاستثمارات العربية في بريطانيا حاليًا"، متابعًا، "العرب حريصون على استمرار التعاون مع بريطانيا بسبب عامل اللغة والاستعمار، إلا أنهم يفضلونها ضمن أوروبا قوية لخلق التوازن مع الولايات المتحدة من جهة وروسيا من جهة أخرى".
اقرأ أيضًا
تريزا ماي تزور السعودية وتلتقي بولي العهد
إيمانويل ماكرون: اللغة الفرنسية "الجذابة" ستكون الأولى في العالم