التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 03:03 م , بتوقيت القاهرة

الشر برّه وبعيد

اتفقتُ معك في المقال الماضي أن "كل شيء يجري". وتكلمنا عن الحب والعلاقة الزوجية الناجحة في ظل التغيير الدائم الذي هو السُنة الثابتة الوحيدة في الحياة.

لقد اتفقنا أنه ليس ذنبنا كوننا نتغير، إنما ذنبنا كوننا لا نعتمد الصراحة والوضوح والحوار الدائم، فنصحو يوما متفاجئين بحجم التغير الذي طرأ علينا وكم أصبحنا مختلفين.

وأكاد أكون متأكدا أنك اليوم، "إن كنت تنتظر مقالي الأسبوعي"، مستعدا لأن تقرأ عن باقي كلام الحب، كلام عن الاستمرارية، كلام يتفق مع جميع النهايات السعيدة المتوقعة.

لكني سأخيب ظنك، فكلامي اليوم عن "كفالله الشر" الطلاق.

نعم!

ألم أقل لك أن كل شيء يجري؟!

فإن كنتَ قد اتفقتَ معي على ذلك المبدأ، فلِمَ تتوقع دائما النهايات السعيدة؟ أليس من الممكن أن يقودنا التغيير الدائم لشكل من أشكال استحالة الاستمرارية؟ وهل لو فشلنا في استمرار علاقة زوجية ناجحة، يكون علينا لزاما أن نفشل في تجربة طلاق ناجحة؟!

مبدئياً أنا لن أتحدث عن طلاق نتيجة لسوء اختيار من البداية، فلذلك حال آخر، بل سأفترض معك الأصعب.. فقد كنتما متفقين منذ البداية، كنتما حبيبين منذ اللقاء الأول، بينكما أطفال الآن بعد مرور 5 سنوات زواج، بينكما سنين عشرة بحلوها ومرها، وحولكما مجتمع لا يرحم وسيحكم على حياتكما (وبالأخص هي) وحياة أطفالكما بناء على قرار أنتما وحدكما من تملكانه.

لكن ومع كامل الأسف، باءت كل المحاولات بالفشل.. انكسرت طاولة الحوار (إن كانت موجودة من البداية).

تتذكر أن كيف بدأت علاقتكما.. وتبدأ المأساة.

بالتأكيد أنا لست محتاجا للجمعية النفسية الأمريكية حتى تؤكد لنا أن ما من مقبل على تجربة زواج قد يتوقع فشلها ويضع ذلك في الحسبان. إلا أني بالتأكيد سأحتاج لهذه الجمعية حتى تبين لنا كيف تمر هذه التجربة بنجاح.

التعاون، التواصل، والوساطة

تقول الجمعية النفسية الأمريكية فى منشور بعنوان "الطلاق الصحى؛ كيف يمر طلاقك بسلاسة قد الإمكان" أن عند نهاية أي تجربة زواج يكون هناك شحن لكمية عواطف من الغضب، والحزن، والقلق، والخوف. والتى قد تظهر جلياً فى لحظات قد تظن نفسك فيها قوياً ولا تتوقع مثل هذه العواطف. لا تنزعج فكل هذا طبيعى، بل بالعكس ارأف بحالك وكن رحيما على نفسك، فهذا سيساعدك على التحكم بمجريات الأمور والتغلب على صعوبات الطلاق.

لا تفكر في الطلاق على أنه معركة لابد من أن تكسبها ليخسرها الآخر، بل بالعكس حاول أن تتعاون مع من كان قريبا شريكك وسيكون قريبا طليقك.

قد تستخدم الوساطة هنا، فهي أكيد أفضل من قاعات المحاكم. قد يكون لزاما عليك أن تجلس وجها لوجه مع طليقك المستقبلي، افعل ذلك ولا تتردد، وإذا كانت عواطف اللحظة تمنعك من التركيز، فحاول أن تكتب كل ما تريد قبل أن تجلسا، فذلك سيساعدك على التركيز أكثر والانتقال من نقطة إلى أخرى.

ماذا عن الأطفال

قد يكون الطلاق صادماً للأطفال، لكن وكما تفترض دراسة نُشرت من قبل جامعة أكسفورد عام 2012، أن أغلب الأطفال يعيدون تأقلم حياتهم بشكل طبيعي في غضون عامين من الطلاق، على الوجه الآخر قد يمر الطفل بتجربة أكثر قسوة خلال زواج أبوين مليء بالمشاحنات عنها خلال طلاق مستقر.

حتى خلال الطلاق، فإن الأبوين يستطيعان أن يفعلا الكثير للحفاظ على أبنائهم. على الأقل ابعد أي خلافات عنهما، فلست بحاجة لدراسة حتى تثبت لك أن المشاحنات الزائدة (أثناء زواج أو طلاق) تزيد فرصة تعرض الطفل لمشاكل نفسية ومجتمعية.

لا تستعجب إن قلت لك إنه من الأفضل وجود خطة للطلاق والتمهيد لها مع أطفالك، فهذا ليس كلامي وإنما كلام خبراء علم النفس، ذلك التخطيط سيجعل طفلك يدرك قدر الشفافية الذي تتعاملان به معه، مما سيؤثر إيجابا على سلوكه.

من نظرة أخرى، التخطيط المسبق للطلاق سيقلل من صدمة الطفل إن غاب أحد والديه فجأة عن البيت. أما إن كنت تخطط لحضانة أطفالك فلابد لك أن تعلم أنك لن تستطع وحدك تعويض طفلك عن غياب الآخر، فاحرص على أن تظل الأمور طبيعية تماما بينهم وبينكما أنتما الاثنان.

إن استطعتما أن تتمتعا بذلك القدر من النضج في التعامل فلا تقلقا على الأطفال أبدا، فهم في أحسن حال الآن وبإمكانك أن تنتقل إلى النقطة القادمة.

اعتنِ بنفسك جيدا

قد تكون التغيرات الناتجة عن الطلاق أعلى من قدرتك على التحمل. لكن، اعلم أنه الآن أهم من أي وقت آخر، عليك الاهتمام بنفسك. انخرط في شبكتك الاجتماعية من الأصدقاء والعائلة الداعمين لك. حاول أن تظل إيجابيا باعتبار أنك تمر بفصل جديد فى حياتك تستطيع أن تجعله جميلا وناجحا. ارجع إلى هواية محببة إليك لم تكن مارستها من فترة بسبب ضغوط الحياة والمسؤولية، أو حاول اكتساب مهارات جديدة. ومهم جداً أن تحافظ على صحتك وأسلوب حياتك بشكل صحي.

والأهم من ذلك كله ألا تتردد في استشارة طبيب نفسي إن أحسست بالحاجة لذلك.

والآن يا صديقي / صديقتي، إن كنتما لازلتما تقرآن ولم تغلقا هذه الصفحة، إن كنت مقبلاً على هذه المرحلة أو تمر بها فعلاً، فاحرص على أن تكون مرحلة ناجحة لبداية جديدة ناجحة، وتذكر أنه ليس لزاما عليك أن تعيش زواجا فاشلا، وطلاقا فاشلا.

أما الآخرون من أصدقائي الأزواج السعداء ومن لم يتزوج بعد فأرجوك أن تضع الخمسة أصابع في وجهي وتقول لي ثلاث مرات (الشر برّه وبعيد)

للتواصل مع الكاتب