التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 04:21 م , بتوقيت القاهرة

تكلفة السباب الإعلامي من الشيخة موزة إلى ليليان داود

الرئيس المصري بنفسه اعتذر عن الإهانة التي لحقت بالشيخة موزة، والدة حاكم قطر. وصرح بذلك في حوار مع جريدة الشرق الأوسط قبل أن يسافر إلى السعودية، ثم تناقلت وكالات أنباء وصحف اعتذاره هذا على الصفحات الأولى للجرائد. ثم تكرر نفس الشيء في حوار تليفزيوني.

ما كان أزهده وأزهدنا في ذلك. أن نوفر على رئيسنا أن يضع نفسه في هذا الموقف. أن يتحول موقفه من المستحق لاعتذار عن الحرب الشعواء التي يشنها الإعلام القطري على أرواح مصريين إلى موقف "المعتذر" عن مسبة. هذا ما حملته عناوين الصحف. وهذا هو الانطباع الذي ستتركه عند القراء.

وهو يساوي كثيرا جدا - دبلوماسيا ومعنويا وسياسيا.

إن أضفنا إلى ذلك أن الرئيس نفسه لم يكن مصدر "الإساءة" لأدركنا حرج الموقف. فالرئيس بنفسه - أعلى سلطة سياسية لمواطن في مصر - مسؤول عن تجاوز آخرين لآداب الحوار. وندرك أن الجدل الداخلي الذي نجريه هنا حول الموضوع لا يهم أحدا خارج الحدود، لأن العالم تجاوز هذا النقاش منذ زمن، وتجاوز النقاش حول الفرق بين الاختلاف السياسي وبين السب والقذف، وتجاوز التسامح مع "ردح البلكونات" في المجال العام. تجاوزه. ولم يعد يستمع إلى جمل مثل "البلد فيها حرية إعلام" حين يأتي الأمر إلى سب الناس ومحاربتهم شخصيا.

ما لحرية الإعلام واحترام القانون!!

هل حرية الإعلام معناها حرية السب والقذف؟!

بالمصادفة، حدث هذا بينما تتعرض المذيعة اللبنانية ليليان داود لحرب إعلامية، من "إعلاميين شرفاء"، لم تتوقف عند حدود الخلاف السياسي، بل امتدت إلى التشنيع والوقاحة و"الشرشحة". والسبب أنها كتبت تويتة سياسية لم تعجبهم.

المشكلة إذن مشكلة جو عام. المشكلة إذن ليست حادثا فرديا، بل سلوك جماعي. حدث أن أصاب من لن يسامح عليه، فرأينا فجاعته وجديته، لكنه يتكرر هنا كل يوم ولا ينزعج أحد، ولا يضطر أحد إلى الاعتذار.

من أين صدرت "الإهانة" بحق الشيخة موزة التي اضطر الرئيس إلى الاعتذار عنها؟ 

من أين صدرت "الإهانات" - بحق المذيعة اللبنانية - التي لن يعتذر عنها أحد؟

إن وجدنا بين الاثنين عنصرا مشتركا، يذكي هذا السلوك، يصدر السلوك عنه، وهو يحض على هذا السلوك، لوجب التعامل معه. وإن لم نتعامل معه فنحن فعلا مسؤولون، ونستحق الموقف الذي وضعنا أنفسنا فيه. هكذا تتغير الثقافة في بلد. القيادة السياسية لن تلجم لسان كل شخص، لكنها تخلق جوا عاما.

هذا إجراء مباشر، يتعامل مع ما تم بالفعل.

لكن هناك إجراءات لازمة لما سيأتي. أبسطها أن مكاتب الجهات السياسية تحتاج إلى وجود نساء ضمن تركيبتها. هذا يحدث فرقا كبيرا في العناية بالتفاصيل، وإضافة رؤية للعالم لا تتوافر في جهات العمل التي تكون ذكورية أولا عن آخر. تلك الشابات الأنيقات اللاتي نراهن إلى جانب رؤساء الدول ورئيساتها لسن عارضات أزياء، بل شابات نابهات يضفن ذكاء وعناية بالتفاصيل إلى الأماكن اللاتي يعملن بها، يمثلن جزءا أساسيا من شخصية المكان، ثم منهن أو من زميلاتهن من تنافس على أعلى المناصب وتفرض وجودا أنثويا في الجو العام، أو تحظى بالمناصب العليا نفسها.

مصر لا تحتاج إلى متحدثين "يعجبون النساء"، مصر بحاجة إلى متحدثات ينلن إعجاب الجميع ويخاطبن عقول الأمة وليس فقط طبائعها الذكورية. هذه فكرة أردت لفت النظر إليها هنا، لأنها من وجهة نظري أساسية. لكنها تحتاج من التفصيل أكثر من ذلك بكثير.