التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 11:37 ص , بتوقيت القاهرة

"المفاعل العائم".. هكذا يمد الروس القطب الشمالى بالكهرباء

الكهرباء
الكهرباء

هل سمعت من قبل عن "المفاعل العائم" ؟! هل تعرف استخداماته وفوائده ؟! هل يختلف عن الغواصات والوحدات البحرية، التى تعمل بالطاقة النووية ؟! هل يستخدم فقط فى توليد الكهرباء أم أن له أغراض أخرى ؟!

كل هذه التساؤلات تحتاج إلى إجابات دقيقة وواضحة، للتعرف على أحدث برامج إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية فى العالم من خلال ما يسمى بالمفاعل العائم، الذى قامت ببنائه مؤسسة روساتوم العالمية الحكومية، أحد أكبر شركات الطاقة فى العالم، والمسئولة عن إنشاء محطة الضبعة النووية المصرية، حتى تتمكن من تزويد المناطق القطبية الشمالية بالكهرباء والطاقة اللازمة، خاصة أن معظم المستوطنات الموجودة فى أقصى الشمال الروسى يصعب وصول مصادر الطاقة التقليدية إليها، نظرا لطبيعة المناخ،  حيث يكسوها الجليد طوال العام، وقد تواصلت " اليوم السابع" مع الشركة الروسية، وأمدتنا بكل المعلومات المتاحة عن هذا النوع من المفاعلات، التى نستعرضها فى السطور التالية.

 

"أكاديميك لومونوسوف" هذا اسم المفاعل النووى العائم الأول فى العالم، الذى يتألف من  وحدة للطاقة  مجهزة بأحدث سبل السلامة والأمان النووى للمفاعلات النووية، تراعي تنفيذ بنية تحتية ساحلية فى موقع الإرساء مثل حواجز الأمواج ، خطوط الكهرباء، وقد تم بناء هذه الوحدة فى أحواض السفن،  باستخدام نفس تكنولوجيا البناء المتخصصة فى كاسحات الجليد النووية والسفن البحرية.

 

وتتشابه وحدات الطاقة النووية العائمة مع كاسحات الجليد الكبيرة التى تعمل بالطاقة النووية، فى القطب الشمالى، حيث يتم استخدام نفس نوع المفاعلات، إلا أن الفارق هو أن الطاقة الناتجة عن المفاعل لا تستخدم للمرور الآمن عبر بحر القطب الشمالى، ولكن لتزويد المناطق النائية بالطاقة، حيث يتعذر عملياً نقل الكهرباء إلى اليابسة.

 

المفاعلات النووية العائمة يمكن استخدامها لتوفير الطاقة للجزر النائية، وتحلية المياه، والمناطق الساحلية التي يصعب الوصول إليها فى شمال وجنوب روسيا، ويمكن استخدامها فى العديد من الدول التى تتشابه ظروفها الجوية من المناطق الجليدية فى روسيا، إلا أن الإنتاج الكمى لهذا النوع من المفاعلات لم يتم حتى الآن، و " أكاديميك لومونوسوف" هى النسخة الأولى.

 

وقد شرعت روسيا نحو إنتاج هذا النوع الجديد من المفاعلات لأن نصف سكان المنطقة القطبية الشمالية، البالغ عددهم 4 ملايين نسمة يعيشون فى أراضى الاتحاد الروسى، ومعظم المستوطنات فى أقصى الشمال يصعب الوصول إليها ؛ فهى تعتبر "جزر معزولة عن الشبكة القومية للكهرباء هناك ، فى الوقت الحالى، بينما يأتى مصدر الوقود الرئيسى لمحطات توليد الكهرباء فى تلك المناطق من الفحم والنفط، مما له تأثير سلبى للغاية على البيئة، فتلوث الهواء والماء يضر بالنظم الإيكولوجية فى هذه المنطقة 

 

وقد رست محطة " أكاديميك لومونوسوف"، في ميناء بيفيك الروسى الواقع بشبه جزيرة تشوكوتكا، منتصف الشهر الجاري،  حيث موقعها الدائم بأقصى شرق روسيا، استعدادا لبدء عمليات الإنتاج بحلول نهاية العام الجارى، وبمجرد بدء التشغيل، ستصبح  أول محطة طاقة نووية عائمة فى العالم و النموذج الأول العامل من هذه الوحدات الجديدة.

 

وقد ذكر المدير العام لمؤسسة روساتوم العالمية الحكومية، أليكسى ليخاتشوف: "ربما تكون هذه خطوة صغيرة لتحقيق التنمية المستدامة فى القطب الشمالى، لكنها قفزة هائلة لإزالة الكربون عن المناطق البعيدة عن شبكة الطاقة، وما حدث يعد نقطة تحول فى تطوير محطات الطاقة النووية الصغيرة فى العالم.

 

ويعد  "لومونوسوف" الأول من فئة جديدة من محطات الطاقة النووية الصغيرة، متعددة الاستخدامات والتى ستوفر الكهرباء والحرارة والمياه النظيفة الموثوق بها، مما يساعد على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ومنتظر أن يكون هذا المشروع نموذج لأسطول مستقبلي من محطات الطاقة النووية العائمة والمنشآت البرية على أساس مفاعلات صغيرة، وستكون وحدات الطاقة الصغيرة متاحة  فى المناطق التى يصعب الوصول إليها فى شمال روسيا والشرق الأقصى.

 

روساتوم الروسية لم تكشف حتى الآن عن القيمة الإجمالية لتكلفة وحدة الطاقة العائمة الجديدة، التى وصلت ميناء بيفك الروسى، معللة بأن هذه الوحدة الأولى " تجريبية" ولم يتم التوسع فى بدء مراحل الإنتاج الكمى حتى الآن، حيث أوردت أنه بمجرد الوصول إلى مرحلة الإنتاج الكمى سيتم تحديد تكلفة الوحدة، إلا أن الشركة أكدت أن هذه التكنولوجيا الجديدة منافسة للغاية وسيكون لها مستقبل كبير، وستوفر طاقة بسعر أرخص من الديزل والوسائل التقليدية فى المستقبل القريب.

 

وتؤكد روساتوم وفق ما أجابت على "اليوم السابع" أن مفاعل الطاقة النووية العائم "أكاديميك لومونوسوف" تم اختباره عدة مرات، ولديه ميزة إضافية عن كاسحات الجليد النووية تتمثل فى العمل بظروف أكثر أمانًا من الكاسحات، فتلك الأخيرة تطفو عبر الجليد الكثيف على بعد عدة كيلومترات من الساحل، بينما لن تقوم المفاعلات العائمة أبدًا بأى حركة، حيث سيتم إرسائها على رصيف خاص لتبقى وتؤدى مهمة محددة، بالإضافة إلى أنها مصممة بشكل أبسط من كاسحات الجليد النووية والغواصات، وهذا يعنى أنه لا يوجد أى خطر عليها من أى فشل فى نظام الدفع الذاتى أو أى حالات طوارئ أخرى متعلقة بوظائف التنقل، وقد تم تصميم المفاعلات العائمة بطريقة تجعل احتمال تسرب المواد المشعة إلى البيئة ضئيلًا للغاية فى مواجهة أى حادث شديد.

 

وردا على سؤال حول الكوراث الطبيعية مثل الزلازل والعواصف الشديدة، والجبال الجليدية، ومدى تأثيرها على المفاعلات العائمة، أكدت روساتوم العالمية، أنها عقدت العزم على ضمان توفير أكثر مصادر الطاقة أمانًا وأكثرها ملاءمة للبيئة في العالم، وقد أخذت فى الاعتبار جميع السيناريوهات القصوى الممكنة، وحتى الأكثر احتمالًا عند تطوير تصميم المفاعل النووى العائم وقوة بنيتها، موضحة أنه نظرًا لأن المفاعل النووى العائم يعمل على سطح الماء، فهو ليس معرض لخطر الزلازل، كما يتم تركيب الهياكل الساحلية والهيدروليكية لتوفير حماية إضافية ضد خطر كارثة التسونامى، ويتم أيضا تركيب السدود وكسارات الأمواج، مما يجعل من الصعب تصادم الجبال الجليدية عملياً به، وتمنع البنية التحتية الساحلية أى تأثير محتمل سواء على الشاطئ أو فى قاع البحر.

 

وأضافت روساتوم أن أقصى ارتفاع للأمواج قبالة ساحل سيبيريا قد يصل إلى 3 أمتار، وتم عمل اختبارات لثبات المفاعل النووى العائم لتحمل الأمواج أعلى 20 مرة من 6 أمتار، ويمكن أن تظل السفينة التى تحمل المفاعل مستقرة وسط سرعة رياح تصل إلى 80 متر فى الثانية، مما يعنى أن أى عواصف أو أمواج أو فيضانات قوية لن تتسبب فى انقلاب المفاعل النووى العائم، وبالتالى لن تكون هناك أى فرصة لإغلاق المفاعل.

 

روساتوم ذكرت أنه على الرغم من الاحتياطات التى تم اتخاذها،  فقد تم عمل محاكاة موقف حال قذف المفاعل النووى العائم ناحية المرسى الخاص به، وإلقائه على الشاطئ وتم قلبه رأسًا على عقب، وتبين أنه حتى فى مثل هذا الحدث غير المحتمل، ستستمر جميع أنظمة السلامة فى العمل بشكل طبيعى، وستتم حماية المفاعلات من أى ضرر أو تلف.

 

وحول كيفية التخلص من النفايات النووية الخاصة بالمفاعل العائم ومدى تأثيرها على البيئة فى منطقة القطب الشمالى، كشفت روساتوم،  أنه يجب شحن المحطة النووية بالوقود النووى كل ثلاث سنوات؛ وسيبقى الوقود المستنفذ على متن محطة الطاقة النووية العائمة أولاً، حيث يتم تخزينه فى مستودع تخزين، ثم فى حاويات جافة ولن يتم نقله فى أى وقت من الأوقات إلى الشاطئ، فهناك مجمع كامل لتخزين الوقود المستهلك على متن محطة الطاقة النووية العائمة، وبمجرد سحب وحدة الطاقة العائمة إلى مرفق خاص للصيانة (يحدث ذلك عدة مرات خلال دورة حياة وحدة الطاقة العائمة ويتم التخطيط لأول صيانة بعد حوالى 10-12 سنة من بدء التشغيل)، يتم تفريغ الوقود من الوحدة  وإرساله للمعالجة، بعد اكتمال الإصلاح والصيانة،  ويتم إرسال وحدة الطاقة العائمة بعد تفريغها مرة أخرى إلى  منطقة المرسى، ويعمل نظام إدارة الوقود والنفايات المستنفذة على التخلص تمامًا من أى خطر لتسرب إشعاعى إلى البيئة.

 

من جانبه قال فيتالي تروتنيف، مدير عام البناء والتشغيل بمحطة الطاقة النووية العائمة، "اكاديميك لومونوسوف" إن التحدى الرئيسى فى مرحلة بناء المفاعل العائم، الذى واجه العلماء والمصممين هو كيفية استيعاب مفاعلين على متن سفينة صغيرة نسبيا، مع الحفاظ على جميع الخصائص الوظيفية لها مع تقليل عدد الأفراد والطاقم، بالإضافة إلى أنه كان لازما أن تتم مراعاة سبل ضمان أعلى مستويات الصلابة وإمكانية التشغيل وسلامة العمل دون أى تأئير على البيئة، هذا كله إلى جانب الصعوبات الكبيرة التي واجهت الشركة أثناء تنفيذ البنية التحتية البرية مع مراعاة ظروف القطب الشمالي وفترات الملاحة المحدودة.

 

وأوضح تروتنيف لـ "اليوم السابع" أن أبرز الإنجازات التى تمت خلال إنشاء وتشغيل وحدة الطاقة العائمة أكاديمك لومونوسوف، تمثلت فى تنفيذ مهمة سحب المفاعل العائم من حوض البناء فى سانت بيترسبرج إلى قاعدة أتومفلوت فى مورمانسك، مرورا بنجاح أول اختبار متكامل لتشغيل وحدة الطاقة.

 

تروتنيف المسئول بشركة روسانيرجواتوم إحدى شركات مؤسسة روساتوم العالمية، كشف أن تصميم وحدة الطاقة العائمة لومونوسوف للتشغيل فى أقصى القطب الشمالى، يساهم فى توفير إمدادات طاقة قوية إلى منطقة "تشوكوتكا" الروسية،  موضحا أن العامل الحاسم التنافسى للمحطة العائمة فى المناطق النائية يتمثل فى إمكانية تقليل تكاليف نقل الكهرباء لمسافات طويلة فى بيئة نائية، حيث تكون هذه التكاليف أعلى بكثير من كلفة توليد الكهرباء نفسها، كما تساهم فى تحسين نوعية الحياة بشكل كبير فى المناطق التى تعانى من نقص فى الطاقة وتهيئة الظروف المواتية للتنمية المستدامة.

 

وأشار مدير عام البناء والتشغيل للمفاعل العائم أن تشغيل " لومونوسوف" يجنب البيئة استهلاك حوالى 200000 طن من الفحم و 120000 طن من الوقود سنوياً، إما بشكل مباشر أو غير مباشر، مؤكدا أن هذه الأنواع من المفاعلات ضرورية لمناطق القطب الشمالي النائية لأنها قادرة على مقاومة الظروف البيئية الصعبة، ومتوافقة مع جميع متطلبات الدقة والصلابة والسلامة بما فى ذلك توصيات الوكالة الدولية للطاقة الذرية فيما يخص السلامة النووية والإشعاعية.

 

وأضاف:" مناطق القطب الشمالى لا تقع ضمن الشبكة القومية الروسية للكهرباء، لذلك فإن وحدة الطاقة العائمة مطلوبة بشكل أساسى فى أقصى الشمال والشرق الأقصى لروسيا، وتحتاج إلى مصادر طاقة موثوقة وبأسعار معقولة، ويمكن أيضا استخدام محطات الطاقة النووية العائمة مع نظام تحلية المياه لذا تهتم العديد من البلدان الإفريقية والآسيوية والأوروبية التى تعانى من نقص حاد فى المياه العذبة بمثل هذه الأنظمة.

 

يذكر أن مؤسسة روساتوم العالمية تضم أكثر من 300 شركة وتحالف ، ويعمل بها أكثر من 250 ألف موظف، و تمتلك الشركة ثاني أكبر احتياطي لليورانيوم، ولديها أكثر من ثلث سوق التخصيب في العالم، وهي أكبر شركة بناء في العالم لأحدث جيل من محطات الطاقة النووية وأوامر تصدير بقيمة 133 مليار دولار أمريكي لمدة عشر سنوات.

 

وتعد مدينة بيفيك الروسية حيث سيستقر المفاعل النووي العائم "أكاديميك لومونوسوف" أحد الموانئ الرئيسية على طول الطريق البحري الشمالي. وسيتيح وجود مثل هذه المفاعلات العائمة في مدينة بيفيك الظروف المناسبة للنمو الاجتماعي-الاقتصادي المتسارع في منطقة شوكوتكا.