التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 12:09 ص , بتوقيت القاهرة

دعوة بلير للتدخل العسكري في سوريا.. تكرارا لخطأ العراق أم لتوريط ماي؟

ماي وبلير
ماي وبلير

"لذلك كله.. أعرب عن حزن وأسف واعتذار أكبر مما يمكنكم أن تتصوروا"، هكذا قال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، تعليقا على تورط بلاده في الحرب على العراق في عام 2003، من أجل إسقاط نظام صدام حسين، إلا أن هذا الاعتذار ربما لم يكن كافيا حتى يتعلم السياسي المخضرم تداعيات الحروب، ونتائجها سواء على الساسة أو الشعوب.

ولعل الدعوة التي أطلقها بلير مؤخرا لرئيسة الوزراء الحالية تريزا ماي للتدخل العسكري، وتقديم الدعم لأي هجوم أمريكي محتمل على سوريا، بعد أقل من عامين من اعتذاره السالف الذكر، تثير التساؤلات حول ما إذا كان بلير تناسى دروس الماضي القريب، والتي كلفته ليس مجرد منصبه كرئيس لوزراء بريطانيا، ولكن أيضا مستقبله السياسي ككل، أم أنها محاولة لتوريط ماي في نفس الخطأ الذي سبق وأن ارتكبه في إطار سعيه نحو العودة لتأدية دور سياسي من جديد في بريطانيا في المرحلة المقبلة.

ذرائع متشابهة

والملفت للانتباه هو أن ذرائع الحرب على العراق ونظيرتها في سوريا تبدو متشابهة في الغاية، حيث إنها تتراوح بين امتلاك النظام العراقي الأسبق لأسلحة دمار شامل، بينما أصبح استخدام الأسلحة المحرمة دوليا ضد المعارضة السورية، هو الذريعة التي يتبناها في الحديث عن سوريا، في حين تطابقت الرؤى عند الحديث بين بشار الأسد وصدام حسين ليدور حول القمع والديكتاتورية وغيرها من شعارات اعتادت القوى الغربية على استخدامها مرارا وتكرارا للتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.

كانت تقارير دولية أثيرت مؤخرا حول هجوم كيماوي محتمل استهدف مدينة دوما السورية، والتي تعد آخر معاقل المعارضة السورية، حيث تواترت الاتهامات للنظام السوري، حول تورطه في شن هذا الهجوم، وهو ما دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لإطلاق تصريحات تحمل تهديدات صريحة بالقيام بـ"رد قوي" على هذا الهجوم، بينما أدانت دول عدة في أوروبا، وعلى رأسها بريطانيا، الأسد وحلفائه وعلى رأسهم روسيا وإيران.

معطيات مختلفة

يبدو أن ذريعتي القمع واستخدام الأسلحة المحرمة دوليا أصبحت بمثابة الطريق السهل أمام القوى الدولية الكبرى لإسقاط الأنظمة المارقة، بدليل تكرارها من جديد مع النظام السوري، بعد نجاحها مع العراق، وبالتالي فكان بلير أول المتحمسين من جديد لاستخدام القوة العسكرية لإسقاط الأسد، كما كان كذلك بالنسبة لصدام حسين، هو ما عبر عنه بلير من قبل بقوله بأنه بالرغم من أن التحرك العسكري في العراق كان خاطئا، إلا أن العالم بدون صدام حسين أفضل بكثير من العالم إبان وجوده.

إلا أن تصريح بلير ربما يعكس افتقاده لرؤية المشهد الدولي، والذي اختلفت معطياته إلى حد كبير في المرحلة الحالية إذا ما قورنت بالوضع إبان الحرب على العراق في 2003، فالولايات المتحدة لم تعد القوة المهيمنة الوحيدة على منطقة الشرق الأوسط، بينما دورها في سوريا تحديدا صار أكثر خفوتا، في ضوء الهيمنة الروسية على الملف السوري، خاصة وأن روسيا، والتي تعد الطرف الأقوى في معادلة القوى في القضية السورية، تدعم نظام الأسد.

توريط ماي

من جانب آخر، يبدو أن دعوة بلير لرئيسة الوزراء البريطانية تحمل في طياتها أهدافا أخرى، تتعلق بالداخل البريطاني، في ظل رغبة السياسي المخضرم في العودة من جديد إلى قلب المشهد السياسي البريطاني من جديد، وبالتالي فمن الممكن أن تكون دعوة بلير هي في الواقع محاولة لتوريط رئيسة الوزراء الحالية.

محاولات بلير توريط تريزا ماي ليست بالأمر الجديد على الإطلاق، حيث سبق وأن استخدام قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكسيت"، من أجل احراج رئيسة الوزراء البريطانية، حيث ركب موجة المعارضة لنتائج الاستفتاء البريطاني، داعيا إلى إجراء استفتاء جديد حول هذه المسألة، محذرا في الوقت نفسه من التداعيات الكبيرة التي يتركها الخروج من الاتحاد الأوروبي.