دعوة تركيا للاجئين السوريين للعودة.. خضوع لبوتين أم ضغط على أوروبا؟
في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن بلاده مفتوحة أمام اللاجئين السوريين، في إطار دور تركيا لحل أزمة اللاجئين، يبدو أنه قرر أن يمارس هوايته في نقض العهود التي دائما ما يقطعها على نفسه، ربما للضغط على المجتمع الدولي من أجل تحقيق المزيد من المكاسب في المرحلة الحالية.
تقول صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أنه عندما اندلعت الحرب في سوريا، فتحت تركيا أبوابها أمام اللاجئين السوريين، لتسمح لهم بالوصول إلى أنظمتها الصحية، كما قدمت لهم الوعود التي من شأنها منحهم حق المواطنة في الأراضي التركية، وهي الوعود التي شجعت ثلاثة ملايين سوري لتدشين مشاريعهم التجارية، وإلحاق أطفالهم بالمدارس التركية.
إلا أن الأمر يبدو وأنه أصبح مختلفا الآن، هكذا تقول الصحيفة، فالأتراك لم يتحملون الضغوط التي يفرضها وجود السوريين في أراضيهم، سواء على مستوى الوظائف، أو حتى بسبب الاختلافات الثقافية الكبيرة، وهو الأمر الذي دفع المسئولين الأتراك، وعلى رأسهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى مناشدة اللاجئين السوريين للعودة إلى وطنهم من جديد.
ففي خطاب له في فبراير الماضي، قال أردوغان "نناشد إخواننا اللاجئين السوريين بالعودة إلى بلادهم، حيث يمكنهم أن يقطنوا مناطق الشمال السوري، والتي أصبحت تحت سيطرة القوات التركية، بعد أن كانت تحت سيطرة الأكراد".
خضوع تركي
الخطاب التركي الداعي إلى عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم يحمل في طياته خضوعا للجانب الروسي، ربما في ضوء الهيمنة الروسية على الملف السوري، خلال السنوات الماضية، وذلك في إطار التزام الأتراك بالتنسيق مع روسيا في كافة الإجراءات التي تسعى إلى اتخاذها فيما يتعلق بالقضية السورية، وهو الأمر الذي أثار حالة من الامتعاض لدى قطاع كبير من حلفاء تركيا الغربيين، سواء في الاتحاد الأوروبي أو الولايات االمتحدة.
يقول الباحث العراقي مثني العبيدي، في مقال منشور له بموقع معهد واشنطن للدراسات السياسية، أنه بالرغم من الخلافات الكبيرة بين تركيا وروسيا حول نظام بشار الأسد، إلا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نجح في استقطاب الأتراك إلى جانبه، وهو الأمر الذي ساهم بصورة كبيرة في منح الجانب الروسي النفوذ الكامل في الأزمة السورية، وذلك في ضوء النفوذ الذي يحظى به الرئيس أردوغان ونظامه على العديد من الفصائل المسلحة في المعارضة السورية.
انتصار للنظام
عودة اللاجئين السوريين إلى الأراضي السورية يمثل نقطة مهمة تصب في صالح النظام السوري، والمدعوم من قبل روسيا، حتى وإن تم توطينهم في أراضي مازالت ليست خاضعة لنظام الأسد في دمشق، خاصة وأن الروس بدأوا بالفعل في ممارسة ضغوط على تركيا لتسليم الأراضي التي سيطروا عليها مؤخرا من الأكراد، في شمال سوريا، إلى النظام السوري.
من جانبه، قدم وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف دعوة صريحة للنظام التركي بتسليم الأراضي التي سيطرت عليها تركيا من وحدات حماية الشعب الكردية، إلى النظام السوري، معتبرا أن هذه الخطوة تعد السبيل الوحيد من أجل تطبيع الأوضاع في سوريا في المرحلة المقبلة.
وسيلة ضغط
على الجانب الآخر، تبدو النوايا التركية بالتخلي عن اللاجئين السوريين هي أحد وسائل الضغط التي يمارسها نظام أردوغان في المرحلة الراهنة، على دول الاتحاد الأوروبي في ضوء تصاعد الخلافات بصورة كبيرة بين الجانبين، حيث أن قرار تركيا المحتمل بترحيل اللاجئين السوريين ربما يدفع بعضا منهم إلى الاتجاه نحو الهجرة إلى أوروبا بطريق غير شرعي، وهو الأمر الذي تعتبره أوروبا بمثابة تهديد مباشر لها.
كانت صحيفة "ديلي صباح" التركية، والمعروفة بتقربها من النظام الحاكم في أنقرة، قد نشرت تقريرا في شهر مارس الماضي، حول تقاعس الاتحاد الأوروبي عن الوفاء بالتزاماته المالية تجاه تركيا لاحتواء أزمة اللاجئين، موضحة أن أوروبا تحتاج أن تثبت جديتها في التعامل مع هذه الأزمة إذا ما أرادت حماية نفسها من موجات جديدة من الهجرة غير الشرعية.