عصا الإقالة في حوزة ترامب.. ديكتاتورية أم دبلوماسية؟
خلال ما يزيد قليلا عن عام، ربما تمكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من تحقيق رقم يصعب تكراره في تاريخ السياسة الأمريكية، جراء الزيادة الكبيرة في عدد الإقالات التي شهدتها إدارته، منذ وصوله إلى البيت الأبيض في يناير من العام الماضي، ففي خلال حوالي 14 شهر، تولّت ثلاث شخصيات منصب مستشار الأمن القومي، بالإضافة إلى تغيير عدد من الوزراء، من بينهم وزير الخارجية ريكس تيلرسون، وكذلك عدد من مستشاري البيت الأبيض، ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي.
ولعل الزيادة الكبيرة في عدد الإقالات التي شهدتها إدارة ترامب تطرح العديد من التساؤلات التي يدور معظمها حول المعايير التي تتبناها الإدارة الأمريكية للحفاظ على المسؤولين في مناصبهم، أو اتخاذ قرار بإقالتهم، خاصة وأن العديد من المسؤولين الذين تمت إقالتهم، عرف عن معظمهم معارضة الرئيس الأمريكي في بعض القضايا، سواء المتعلقة بالداخل الأمريكي أو السياسة الخارجية.
ميول ديكتاتورية
يبدو أن سلسلة الإقالات الأخيرة التي أجراها الرئيس الأمريكي، والتي شملت عددا من أبرز مسؤولي الإدارة الأمريكية، وعلى رأسهم وزير الخارجية ريكس تيلرسون، ومستشار الأمن القومي ماكماستر، كانت نتيجة لتوجهاتهم المناوئة لأهواءه، خاصة تجاه القضية النووية الإيرانية، بالإضافة إلى الملف الكوري الشمالي، وغيرها من القضايا الدولية.
يقول ماكس بوت، كبير الباحثين بمركز "جين كي كيركباتريك" لدراسات الأمن القومي في مجلس العلاقات الخارجية، أن النظام الأمريكي يتمتع بضوابط وتوازنات، وهو الأمر الذي ربما يعوق الرئيس الأمريكي عن الإطاحة بكل من يمكنه أن يتبنى أي وجهة نظر مخالفة له في أي من القضايا التي تناقشها الإدارة.
وأضاف الباحث الأمريكي البارز أنه إذا ما كان الرئيس ترامب متواجدا في دولة على غرار الأرجنتين أو فنزويلا، لكانت هذه هي الطامة الكبرى، حيث كان سيكتب اسمه بين أكبر الحكام الديكتاتوريين في التاريخ، موضحا أن الدليل الدامغ على ميوله الديكتاتورية، هو أنه كثيرا ما تغزل في زعماء ديكتاتوريين، وعلى رأسهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الصيني شي جين بينج وغيرهم.
تغيير دفة الإدارة
إلا أن حملة الإقالات الأخيرة التي شنها الرئيس ترامب، تعكس رغبة ملحة لديه في تغيير دفة الإدارة من التوازن إلى نهج أكثر تشددا تجاه العديد من القضايا الدولية التي تفرض نفسها على الساحة في المرحلة الحالية، ولعل أهمها القضية الإيرانية، في ضوء رغبة ترامب في الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، وهو الأمر الذي تحفظ عليه وزير الخارجية المقال، وربما كانت الإقالة هي ثمن تحفظه.
يقول جيمس جولدجير، العميد السابق لمدرسة العلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية، أن فريق الأمن القومي الأمريكي، والذي كان يتكون من تيلرسون وماكماستر، بالإضافة إلى وزير الدفاع الأمريكي جون ماتيس، ربما كان يتسم بقدر كبير من التوازن، إلا أن القرارات الأخيرة دفعت الإدارة إلى نهج أكثر تشددا يتناسب مع رؤية ترامب تجاه القضايا الدولية والإقليمية الحساسة.
نموذج ريجان
وهنا تثور مخاوف كبيرة من جراء اندلاع حرب محتملة خاصة ضد إيران، في ظل اختيار عناصر جديدة معروفين بتاريخهم الطويل في العداء لطهران في السنوات الماضية، وهو ما دفع البعض إلى القول بأن قرارات الإقالة الأخيرة تأتي في إطار الأولويات السياسية للإدارة في المرحلة الراهنة.
يقول الخبير الأمريكي في السياسات الدفاعية جيمس كارافانو أن قرارات الإقالة لم تكن أكثر من رسالة دبلوماسية يبعث بها ترامب إلى خصومه في المجتمع الدولي، خاصة وأن وجود ماكماستر أو تيلرسون لم يمثل ازعاجا لترامب، والذي كان صاحب القرار الأول والأخير منذ اليوم الأول لوجوده في البيت الأبيض.
واستطرد الخبير الأمريكي أنه يبقى مستبعدا أن يتجه ترامب نحو خيار الحرب ضد إيران، موضحا أن الرئيس الأمريكي يبقى معجبا للغاية بنموذج الرئيس الأسبق رونالد ريجان، والذي كان دائما ما يطلق دعاية قوية، حتى يخاف منه الأعداء، إلا أنه لم يكن يرغب في الأساس ليخوض أي حروب.