التوقيت الأحد، 22 ديسمبر 2024
التوقيت 11:40 م , بتوقيت القاهرة

فنلندا أسعد دول العالم..عما نتحدث حين نتحدث عن السعادة؟

بوستر فيلم البحث عن السعادة لويل سميث
بوستر فيلم البحث عن السعادة لويل سميث

فنلندا أسعد دول العالم

يقول الخبر أن فنلندا أسعد بلدان العالم، نقلا عن تقرير السعادة العالمي للعام 2018، الذي أصدرته الأمم المتحدة.

عاصمة فنلندا هلسنكي
عاصمة فنلندا هلسنكي

تقيس الأمم المتحدة السعادة في البلدان، حسب درجة تلبية الحاجات الأساسية للسكان، لذلك فإن هذه النتيجة تختلف كثيرا عن الصورة النمطية الرائجة عن فنلندا التي لا نعرف عنها سوى أنها إحدى البلدان الإسكندنافية.

بدا لي الخبر غريبا، فكيف تتفوق فنلندا على بلدان أثرى منها اقتصاديا، وأقوى منها سياسيا، مثل سويسرا ومثل ألمانيا في أوروبا على الأقل.

وكيف تتفوق فنلندا على بلدان أخرى تنافسها في قدرتها على إسعاد سكانها بحكم قلة عددهم، وارتفاع دخولهم مثل "لكسمبورج" مثلا التي تقع غرب أوروبا بين كل من ألمانيا وفرنسا وبلجيكا، وتعد إحدى أصغر دول أوروبا مساحة وسكانا، الذين يبلغ عددهم حوالي 600 ألف نسمة، حسب تقارير صحفية منشورة منذ عامين، ويصل معدل دخل الفرد فيها إلى 77 ألف دولار سنويا.  

لكنها مع ذلك ليست أسعد من دولة فنلندا التي تفوقت عليها، هي والدول الأخرى التي تتصدر المشهد السياسي في أوروبا، وتقوده.

سيدني في المركز الثاني للدول الأكثر سعادة
سيدني في المركز الثاني للدول الأكثر سعادة

ويدل تصدر فنلندا قائمة الدول السعيدة في أوروبا والغرب، أن المواقف السياسية والاقتصاديات العملاقة ليست المؤشرات الرئيسية الدالة على سعادة الشعوب، وأن البلاد المتقدمة سياسيا ولها هيمنتها الاقتصادية، قد تكون شعوبها تعيسة، وتطحنهم رحى الرأسمالية، وتضغط عظامهم عجلة الحياة الصعبة.

والسعادة مبتغى وهدف، ومؤخرا صارت في أولويات الدول، وخصص بعضها وزراء ليتولوا مهمة إسعاد شعوبهم، والبحث عن خيارات لحياة أسهل، تخرج المواطنين من الضغوط العصبية، إلى التمتع بالحياة، وملذاتها، ولعل أقدم ذكر لكلمة السعادة في دساتير الدول، تلك الواردة في الدستور الأمريكي – إعلان الاستقلال- الذي وضعه توماس جيفرسون، وأغلب الظن أن الدستور الأمريكي هو أقدم دستور ذكر كلمة "السعادة Happiness " ولعل ما يؤكد ظني هذا أن فكرة فيلم "البحث عن السعادة pursuit of happiness" لبطله ويل سميث، استلهمت سطر توماس جيفرسون عن "البحث عن السعادة".


فيلم البحث عن السعادة لويل سميث
فيلم البحث عن السعادة لويل سميث

في الفيلم يبحث كريس جاردنر عن وظيفة تمنحه السعادة، فيهتدي إلى أن يعمل مضارب في البورصة، يعاني من تمزق حياته الأسرية بسبب الضغوط المالية، ومطاردة صاحب المنزل له ليدفع الإيجار، تهجره زوجته، ويعيش شريدا هو وطفله، ولا يجد مأوى إلا في بيوت المشردين، يكافح كريس جاردنر في عمله متدربا لمدة ستة أشهر بدون مقابل في إحدى شركات المضاربات، ويعيش خلال هذه الفترة مع طفله حياة الجوع والحزن والمعاناة، إلى أن يتلقى نبأ الموافقة على توظيفه، فيطير فرحا ويرقص في الشوارع من فرط السعادة.

انتزعت فنلندا عرش السعادة من النرويج التي تربعت عليه العام الماضي، وجاءت الدنمارك في المركز الثالث، وتلتها إيسلندا، ثم حلت سويسرا بالمركز الخامس، أما بريطانيا، فحلت في المركز التاسع عشر، بعد كندا وكوستاريكا وإسرائيل.

وفي عالمنا العربي، أطلقت 6 دول من دبي، تحالفا عالميا للسعادة، الشهر الماضي، هي الإمارات والبرتغال وكوستاريكا والمكسيك وكازاخستان، وسلوفينيا، الذي يضم وزراء من الدول الست، ضمن أعمال اليوم الثاني للقمة العالمية للحكومات في دورتها السادسة، ويهدف التحالف العالمي للسعادة إلى تعميم مفهوم السعادة كأساس وغاية للتنمية والعلاقات بين الأمم إلى آخر العبارات المبهمة التي تشتمل على ممارسات عديدة، ربما يصب الكثير منها في رفع المعاناة عن المواطنين في هذه الدول في نواح عديدة منها تخفيض الأسعار أو إتاحة فرص تعليم جيد للأجيال الجديدة.

في مصر لا نذكر السعادة مطلقا في أحاديثنا اليومية، بل نقيضتها هي الأكثر تداولا على ألسنتنا، التعاسة هي المفردة التي يعرفها بعض المصريون، ممن يعانون من ظروف معيشية سيئة، تقل فيها فرص أبنائهم في اللحاق بظروف تعليم جيدة، وكذلك إتاحة خدمات صحية عادلة لكل المواطنين، تحل كلمة "التنمية" محل كلمة السعادة، وتشتمل التنمية على معان أخرى بعيدة عن معاني السعادة، فالسعادة شعور شخصي، تحققه مناسبات أخرى، مثل نجاح الأبناء، أو تفوقهم، السعادة قد تكون أيضا بالانتقال إلى سكن آدمي يليق بالمواطنين، السعادة قد تتحقق في انتشال الناس من أزماتهم الحياتية، وتجنيبهم مشاق ارتفاع الأسعار، وجشع التجار، السعادة أيضا قد تتحقق لبعض المصريين بتطبيق القانون على الأقوياء، الذين يستهينون بالضعفاء، تتحقق السعادة في الترويج لها كهدف بين الناس، هنا في مصر نحتاج لمن يكلمنا عن السعادة.